أمهل الرئيس الفرنسي الحكومة المقبلة 3 أشهر لتنفيذ سلّة من الإصلاحات المحدّدة، ضمن جدول زمني يتراوح بين 15 يوماً و3 اشهر، مضيّقاً الخناق على المسؤولين، عبر إجبارهم على تطبيق الاصلاحات التي تقاعسوا عن تنفيذها سابقاً، والتي كان من الممكن السير بها بسهولة أكبر، علماً انّ تطبيقها اليوم خلال الفترة المحدّدة، قد يصطدم بعوائق تقنية وماديّة.
أوحت أجواء الاستشارات النيابية التي قام بها رئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب امس، انّ ولادة حكومته ستكون سلسة وسريعة ضمن مهلة الاسبوعين المحدّدة، وذلك بعد ان ظهرت بشكل جليّ مفاعيل تهديدات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لممثلي مختلف الاحزاب، من خلال اعلانهم امس على التوالي عدم تمسّكهم بالحقائب الوزارية ولا حتّى بتمثيل حكوميّ.
وقد حدّد الرئيس الفرنسي الاصلاحات المطلوبة «بالحَرف»، ووضع جدولاً زمنياً لتنفيذها. لكن بغضّ النظر عن توفّر النيّة لاعطاء الضوء الاخضر من الناحية السياسية لتطبيق تلك الاصلاحات، وبغض النظر عمّا اذا كان بعض الاحزاب السياسية سيتنازل عن محميّاته من اجل السير في تنفيذ تلك الاصلاحات، فإنّ ما طالب به ماكرون، مترافقاً مع مِهل زمنية لتطبيقه، قد يواجه بعض العقبات في دولة مفلسة غير قادرة على تمويل أي مشاريع جديدة، ولن تحصل في المقابل على أي دعم مالي خارجي قبل الالتزام بما تعهّدت به.
من الإصلاحات المطلوبة التي قد تصطدم بأمور تقنية، هي اقرار القانون المتعلق بالكابيتال كونترول او تنظيم العمليات المصرفية، حيث انّ هذا القانون سبق وتمّت مناقشته مرّات عدّة في اللجان النيابية وفي جمعية المصارف، ليتبيّن في كلّ مرّة انّ وضع المصارف لا يسمح لها بالالتزام بمعايير موّحدة لضبط رأس المال. أي انّ الملاءة المالية وحجم السيولة المتوفرة بالعملات الاجنبية يختلفان بين مصرف وآخر، وبالتالي فإنّ امكانية تحديد حجم التحويلات المالية الى الخارج التي سيسمح بها القانون، على سبيل المثال، ستشكّل عائقاً أساسياً، والدليل على ذلك، عدم قدرة جميع المصارف الالتزام بتعميم مصرف لبنان الصادر أخيراً، والذي سمح بتحويل 10 آلاف دولار للطلاب في الخارج.
كذلك الامر بالنسبة لإعادة تأهيل مرفأ بيروت، وهو اصلاح وارد في ورقة ماكرون، حيث تتطلب عملية اعادة التأهيل وإطلاق استدراج العروض، توفر التمويل اللازم لها، وهو الامر الذي لا تملكه الدولة اليوم قبل حصولها على دعم مالي خارجي.
اما قطاع الكهرباء، الذي يشكّل جوهر الاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي، فقد طلب الرئيس الفرنسي، بالاضافة الى تعيين أعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء في مهلة شهر، استدراج عروض في ما يتعلق بمعامل توليد الكهرباء بواسطة الغاز، وهو أمر يتطلب من اجل تلزيم تلك المعامل توفر التمويل اللازم.
the game is over
في هذا الاطار، شدّد النائب ياسين جابر على انّ رؤساء الاحزاب يجب ان يعوا انّ اللعبة انتهت the game is over والبلد في حال احتضار، وبالتالي يجب البدء بالعمل وبالاصلاح فوراً من اجل اعادة الامل واظهار الجدّية في تغيير المسار.
واكّد النائب جابر لـ»الجمهورية»، انّ العوائق امام تطبيق الاصلاحات يمكن تجاوزها مهما كانت، في حال وُجد القرار السياسي، مشيراً الى انّ هناك اقتراحاً لقانون «الكابيتال كونترول» يجب تعديله، لمراعاة ملاحظات صندوق النقد الدولي عليه، في ما يتعلّق بالتحويلات المالية للخارج لأغراض تجارية وغيرها، مؤكّداً انّ التحويلات للطلاب في الخارج لن تشكّل عائقاً مهمّاً امام اقرار القانون، ويمكن معالجتها من خلال تأمين مصرف لبنان للتمويل المطلوب، والذي لن يتعدى 60 مليون دولار.
اما بالنسبة لقطاع الكهرباء، قال جابر، انّ اصلاح قطاع الكهرباء لا يعني فقط توليد الطاقة، بل النقل، التوزيع والجباية. وقد ذكر ماكرون بالحرف ما يجب القيام به، تطبيق القانون 462 وليس تعديل القانون كما كان مطروحاً، بالاضافة الى تعيين اعضاء الهيئة الناظمة للقطاع، على ان تباشر عملها فوراً. معتبراً انّ تطبيق القانون 462 يحرّر البلد، حيث يُسمح لأي كان، على سبيل المثال، انتاج 1.5 ميغاواط من دون الحصول على رخصة.
واشار جابر، الى انّ اصلاح قطاع الكهرباء يحتاج حتماً الى التمويل، لكن الاهم هو وجود ادارة فعّالة تعالج مشكلات سنوات من الاهمال والفساد والهدر.
واوضح، انّ تطبيق الاصلاحات لا يعني وقف الانهيار الاقتصادي او عودة النمو، بل انّه فقط اشارة الى عزم القوى السياسية على تغيير المسار، لأنّ تنفيذ الاصلاحات سيتمّ من خلال تغيير العقل السياسي.
وعمّا اذا كان القرار السياسي قد اتُخذ للسير بالاصلاحات، قال جابر: «ما تقول فول ليصير بالمكيول».
«إصلاحات تجميلية؟»
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في بيروت وباريس كريم بيطار لوكالة «فرانس برس» امس، انّ «الجميع في لبنان يدرك أنّه لم يعد لديهم ترف الوقت، وهم على بيّنة من أنّهم سيكونون عرضة لضغط متزايد من فرنسا ومن المانحين والمجتمع الدولي». واعرب عن اعتقاده أنّ الضغط الفرنسي «قد يؤدي إلى إحداث شكل من التغيير على المدى القصير في أداء المسؤولين الذين قد يحاولون الإيحاء بأنّهم قاموا بالجزء المتّرتب عليهم من الاتفاق لناحية اجراء إصلاحات تجميلية». إلا أنّه أبدى شكوكاً إزاء «موافقتهم على اجراء اصلاحات هيكلية ومنهجية يحتاجها لبنان بشدّة، لأنها قد تعني نهايتهم». ورجّح بيطار أن يكونوا «على استعداد لترك البلاد تنهار في الفوضى بدلاً من قبول إصلاحات هيكلية عميقة، تعني عملياً «إطلاقهم النار على أقدامهم».