مع وجود 300 ألف عامل تقطعت بهم السبل على متن السفن التجارية، أجرت شبكة “بلومبيرغ” تحقيقاً عن هذا القطاع الحيوي، كشف من خلاله النقاب عن عشرات الانتهاكات العمالية التي تهدد سلامة البحارة، بالإضافة إلى سلسلة التوريد التجارية العالمية.
في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي، انسحبت السفينة “يونيسون جاسبر” إلى ميناء نيوكاسل الأسترالي حاملة 31 ألف طن من الألومينا متجهة إلى أحد أكبر المصاهر في البلاد. وسافرت السفينة حول العالم في الأشهر السبعة منذ بدء الوباء، لكن في أستراليا، وجدت السلطات مشكلة خطيرة بما يكفي لاحتجاز السفينة.
المنظمون والمسؤولون النقابيون أفادوا بأن 7 من أفراد الطاقم البالغ عددهم 22 شخصاً كانوا على متن السفينة لمدة 14 شهرا متواصلة، بعد انتهاء تاريخ انتهاء عقودهم، في انتهاك واضح للقانون البحري الدولي. وكانت، آنذاك، قد استحقت لهم 64 ألف دولار أجرا متأخرا، كما لم يكن متوافرا لهم ما يكفي من الطعام الطازج، فيما لم تكن هناك خطة صالحة لإعادتهم إلى عائلاتهم في ميانمار.
وصادق أكثر من 80 بلداً على اتفاقية العمل البحري، وهي ليست عبارة عن مجرّد إرشادات، بل إنها تتضمّن الحد الأدنى من شروط العمل للبحارة، بما يدعم سياسات التأمين وعقود العمل.
غير أن انتشار جائحة كورونا المستمر حطّم معايير هذا القطاع المهم للأسواق العالمية، تزامنا مع قلق الدول من تخفيف القيود على الموانئ والحدود، لتصبح انتهاكات حماية العمال شائعة على نطاق واسع. إذ أن نحو 20% من أصل 1.6 مليون بحار في العالم تقطعت بهم السبل في البحر، مثل أولئك الموجودين في الناقلة Unison Jasper، تحت رحمة أرباب العمل وتغيير متطلبات الحجر الصحي لإعادتهم إلى الوطن.
مراسلو “بلومبيرغ” خاطبوا أكثر من 40 بحارا على متن العديد من السفن، فأكدوا تدهور أوضاعهم، وطالب معظمهم بعدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية الموقف.كما أن حوالى نصفهم ليست لديهم عقود حالية، وقال البعض إنهم لم يتلقوا أجورهم منذ أكثر من شهرين، بما يوافق تعريف “منظمة العمل الدولية للعمل” لما تسميه “العمل الجبري”.
بعض العمال أيضا قال إن أجر العمل الإضافي غير ثابت، هذا إذا ما لم يتم تسجيل ساعاتهم الإضافية أصلا. ولم يغادر معظم هؤلاء سفنهم منذ أشهر بعد تفشي كورونا المرتبط على متن سفن الرحلات البحرية والسفن التجارية التي وضعت حدا لإجازة الشاطئ.
كما لم يتمكن البحارة الذين يعانون من خراج الأسنان من الحصول على رعاية صحية لأسنانهم، ويقول آخرون إنهم تلقوا عناية من زملائهم في الطاقم بدلا من الرعاية الطبية البحرية. وعلى متن إحدى السفن، توفي القبطان بنوبة قلبية، وقام الطاقم بتخزين جثته في الثلاجة لمدة أسبوعين تقريبا قبل أن يعثروا على ميناء يعيد جثته إلى وطنه.
براندت واغنر، رئيس وحدة سياسات النقل والقطاع البحري في منظمة العمل الدولية، التي تدير قانون البحار، قال لشبكة “بلومبيرغ” إن العقود المتأخرة والعمل الإضافي غير المسدد تثير القلق بشكل خاص.
من جهتهم، يرى أهل القطاع أن الخيارات أمامهم محدودة. فقد قال إسبين بولسون، رئيس الغرفة الدولية للشحن، المجموعة التجارية الرئيسية في الصناعة، إن تغيير قواعد الهجرة ومحدودية السفر الجوي جعلت تبادل العمال أكثر صعوبة وأكثر تكلفة.
في السياق، أعاد العديد من الشركات توجيه السفن والرحلات الجوية المستأجرة لتسهيل تغيير الطاقم، ولا يزال هناك نحو 300 ألف بحار متأخرين عن موعد إجازات الراحة، وهو رقم يتزايد مع استمرار تفشي الوباء.
هذه الأزمة بدأت فصولها تمتد إلى مستثمري الشحن، بما في ذلك مدير الأصول العالمي Fidelity International Ltd، شركة التأمين الأميركية العملاقة Massachusetts Mutual Life Insurance Co، مدير الأصول Oaktree Capital Group LLC وFinance JPMorgan Chase & Co.
وإذا لم تجد هذه المشكلة حلا قريبا، فإن المحللين يعتقدون أنها ستهدد بعرقلة سلسلة التوريد التجار ي والصناعي، بما يؤثر على شركات السلع الأساسية مثل Cargill Inc وتجار التجزئة مثل Dick’s Sporting Goods Inc، في الوقت المتزامن تماما مع موسم التسوق القادم في العطلات.
وقد أوقف أكثر من 120 بلدا وإقليما، أو حدّ من الوصول إلى السفن، من أجل تغيير طواقم البحارة، على سبيل التحوّط لمنع انتشار فيروس كورونا.