تراهن الصين على تحرير التجارة العالمية وزيادة الاستثمارات لتسريع تعافي الاقتصاد العالمي حيث يؤكد قادة اقتصاديون أن ذلك، ضروري لاستعادة سلاسل الصناعة والتوريد العالمية، وضمان تعددية حقيقية تضمن الأمن الاقتصادي بعيدا عن القمع والعقوبات لتنشيط الاقتصاد العالمي.
عززت الصين تحركاتها للمطالبة بمزيد تحرير الاقتصاد العالمي من القيود بهدف تنمية العوائد التجارية وتسريع التعافي لردم الفجوة الكبيرة التي تركتها الجائحة في مسيرة التنمية العالمية.
وقال رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ إن “التجارة الدولية بحاجة إلى دعم تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار بشكل مشترك، واستعادة سلاسل الصناعة والتوريد العالمية والتبادلات الشعبية على وجه السرعة، لتنشيط الاقتصاد العالمي”. جاء ذلك خلال الحوار الافتراضي الخاص مع قادة الأعمال العالميين الذي استضافه المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخرا.
وخلال الحوار، أعطى رئيس مجلس الدولة الصيني صورة مجملة عن رؤية الصين لحال الاقتصاد العالمي بعد جائحة فايروس كورونا الجديد، كما تحدث عن بعض الحلول اللازمة لتخليص الاقتصاد العالمي من المأزق الذي هو فيه، وأجاب على الأسئلة القلقة التي تخطر ببال رجال الأعمال العالميين.
واتفق خبراء ورجال أعمال من مؤسسات عربية وصينية على أن الحوار الذي جاء وسط ظروف صعبة بسبب جائحة فايروس كورونا الجديد وأضرارها الكبيرة للاقتصاد العالمي سيكون له مردود إيجابي على العالم أجمع وليس الطرفين فحسب.
وأكد مدير موقع الصين بعيون عربية الإعلامي محمود ريا، أن القيادة الصينية تسير مع المسار الطبيعي للتاريخ في خطوات هادفة إلى بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، وذلك في مواجهة موجات التفتيت والتعصب وقطع أواصر التواصل في مختلف المجالات بين الشعوب والأمم.
وأشار ريا إلى أن “العناوين الاقتصادية التي تحدث عنها لي في حواره مع قادة الأعمال العالميين شكلت تجسيداً لهذه المبادئ الأساسية التي تعتمدها الصين في علاقاتها مع العالم، ولاسيما في المجال الاقتصادي، حيث تساهم بقوة وتقدم كل التسهيلات الممكنة لإعادة الاقتصاد العالمي إلى سكّته الصحيحة بعد الصدمة الخطيرة التي تعرّض لها.
وأضاف أن الأهم من كل ذلك هو أن لي قدم خارطة طريق تنبع من مبادئ الصين السياسية والاقتصادية التي يبشّر اتباعها بخلق فرص كثيرة لردم الفجوة الكبيرة التي تركتها الجائحة في مسيرة التنمية العالمية.
وذكر ريا أن كلمات لي التي قال فيها إن “السلام والتنمية والتعاون والتبادل تظل موضوع عصرنا الراهن واتجاهه، ليست شعارات تُطلق في الفراغ، ولكنها قواعد أساسية يؤدي الالتزام بها إلى الخروج من القوقعة التي تحاول بعض القوى الكبرى وضع العالم فيها من خلال خلق جدران من الحظر والقمع والعقوبات والتهديدات التي تؤدي إلى زيادة الآثار السلبية التي يعاني منها الاقتصاد في العالم، وذلك بغية تحقيق أهداف شخصية أو البحث عن مكاسب انتخابية ضيقة، بعيداً عن التفكير في المسار الكلّي للاقتصاد العالمي”.
وسلط ريا الضوء على أن لي قد ألمّح إلى مسؤولية كل القوى العالمية في هذا المجال عندما أشار إلى أن “جميع الأطراف تتحمل واجبا إلزاميا بالحفاظ على البيئة العالمية من أجل تحقيق السلام والتنمية، ودعم التعددية، ودعم النظام الدولي، وبث الأمل والثقة في الشعوب بجميع أنحاء العالم.
ولفت ريا إلى أنه من بين دول العالم التي تهتم الصين بتعزيز العلاقات الاقتصادية معها، تأتي الدول العربية في الطليعة، حيث شهد التعاون الاقتصادي بين الطرفين نمواً لافتاً، سواء على المستوى الجماعي أو على مستوى الدول العربية منفردة، وتطورت آليات التواصل من خلال المنتديات والمعارض واتفاقيات الشراكة الاستراتيجية وغيرها من الوسائط العادية أو الإلكترونية، وهذا ما يبشر بحصول قفزات أكثر أهمية في تطوير العلاقات الاقتصادية العربية-الصينية.
من جانبه، أكد الأكاديمي الصيني شانغ جون المتخصص في شؤون الاقتصاد الآسيوي في مقالته التي نشرت مؤخرا، أن اقتصاد الصين أثبت قدرته على الصمود على الرغم من الضربة القوية التي تلقاها نتيجة لعمليات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد – 19.
وكتب الأكاديمي الصيني “صحيح أنه لم يرتد بشكل كامل إلى سابق نشاطه لأن بعض الأنشطة، خاصة في قطاع الخدمات، لا يمكن إحياؤها ببساطة. ولكن على عكس معظم دول العالم، يبدو من غير المرجح أن تغرق الصين في ركود طويل، خاصة بسبب تحولها الرقمي السريع. فالاقتصاد الرقمي في الصين يشهد نموا قويا حتى قبل الجائحة”.
وفي هذا الصدد، قال فو تشنغ قانغ، ممثل سوق أبوظبي العالمي في الصين، إنه بعد نجاح الصين في السيطرة على الجائحة، أخذ العالم بزمام المبادرة في توفير قوة دفع جديدة للبلدان والشعوب وخلق فوائد جديدة من خلال توسيع الانفتاح على صناعة الخدمات.
وأضاف أن الغرض من الالتزام بفتح الأسواق والتعاون العالمي هو مشاركة مكاسب التنمية الصينية مع العالم، وإفساح المجال أمام المزايا النسبية لكل منهما على أساس المنفعة المتبادلة، واستكشاف حلول للصعوبات المشتركة الكامنة في الانكماش الاقتصادي العالمي.
ورأى فو أنه من المنظور التاريخي، يعد تطور وتغير النمط العالمي أمرا طبيعيا، ولكن من أجل إنقاذ الاقتصاد العالمي من الضائقة في ظل الوضع الوبائي، من الضروري أن تتوصل جميع الدول إلى توافق وتتعاون مع بعضها البعض، وألا تتردد في بذل الجهد والعودة إلى الانفتاح، حيث يتحمل كل منها مسؤولية الحفاظ على كفاءة وسلامة الحوكمة الاقتصادية العالمية.
وأضاف أن هذا التطور المتزايد يقوم على إيمان حقيقي لدى الصين والدول العربية بالفوائد الكبرى التي يمكن تحصيلها من تعزيز هذه العلاقات، الأمر الذي يؤشر إلى سعي حثيث لتجاوز كل العقبات والحواجز التي يمكن أن تعترض السير قدماً نحو آفاق أوسع من التلاقي والإفادة المتبادلة التي تعتمدها الصين كمبدأ أساسي في علاقاتها مع دول العالم لكي يحتضن الجميع مستقبلا مشرقا معا.