موجة الغرامات الباهظة ضد البنوك الكبرى في العقد الماضي أدت إلى انفجار في عدد المعاملات المشبوهة.
يثير تكرار التحويلات المشبوهة، والتي كشف موقع بازفيد الأميركي عن جزء بسيط منها، مسألة في غاية من الحساسية، وهي أن الرقابة على حركة الأموال العابرة من البنوك العالمية أثبتت أنها رخوة على الرغم من ترسانة القوانين والهيئات التي تتصدى للعمليات المحظورة.
ولئن حمل الاكتشاف الأخير، الذي نشره الاتحاد الدولي للمحققين الصحافيين وعدة منظمات إعلامية أخرى، عن مليارات الدولارات، وقد تكون دخلت في سياق عمليات واسعة لغسل الأموال ضمن شبكات دولية أسست شركات قانونية تعمل في الواجهة، في طياته مجموعة من التساؤلات حول مدى تعامل الحكومات والسلطات النقدية مع هذه الظاهرة، إلا أن أبعاد استمرار مثل هذه العمليات ستكون تداعياتها أخطر إذا استمرت بوتيرة متسارعة.
ولطالما ارتبطت عمليات غسل الأموال بالإرهاب، حيث هناك العديد من التنظيمات المتطرفة مثل داعش والقاعدة، وأيضا الجماعات المحظورة مثل حزب الله اللبناني وميليشيات تابعة لتركيا وإيران في كل من العراق وسوريا وليبيا، استطاعت الحصول على تمويلات ضخمة بطرق غير مشروعة.
ويكشف تقرير موقع بازفيد كيف أن خمس مؤسسات مالية عالمية وهي أتش.أس.بي.سي وجي.بي مورغان تشيس ودويتشه بنك وستاندرد تشارترد وبنك أوف نيويورك ميلون ظهرت بشكل متواتر في وثائق سرية قدمتها مصارف محلية للحكومة الأميركية.
وتشير الوثائق المسربة، وهي ليست سوى نسبة ضئيلة من التقارير المقدمة لوحدة وزارة الخزانة الأميركية، إلى أن تلك المصارف حولت مبالغ ضخمة من أموال قد “تكون غير مشروعة على مدى نحو عقدين من الزمن” رغم التحذيرات بشأن أصول هذه الأموال.
ومع أن التقارير المكونة لتلك الوثائق ليست دليلا بالضرورة على ارتكاب مخالفة، وفق بعض المحللين، بيد أن المعاملات، التي تجاوزت قيمتها تريليوني دولار في الفترة الفاصلة من 2009 إلى 2017 تدعو إلى التوقف عند أسبابها ومسبباتها، خاصة وأن إدارات الامتثال بالمؤسسات المالية حذرت طيلة السنوات الماضية من أن تلك الأموال “قذرة”.
وأدت موجة الغرامات الباهظة ضد البنوك الكبرى في العقد الماضي إلى انفجار في عدد المعاملات، التي يشير المقرضون إلى أنها مشبوهة ومع ذلك، ليس من الواضح أن كل التدقيق يحدث فرقا.
وقد نقلت المصارف أموالا لأشخاص أو كيانات لم تتمكن من تحديد هويتهم، وفي كثير من الحالات أخفقت في تقديم تقارير الأنشطة المشبوهة المطلوبة حتى سنوات بعد ذلك.
ولكن المعاملات التي أبرزتها التقارير تضمنت أموالا حولها كل من جي.بي مورغان لأفراد وشركات قد يكونوا فاسدين في فنزويلا وأوكرانيا وماليزيا وتحويل أموال احتيال هرمي من خلال بنك أتش.أس.بي.سي وأموال مرتبطة بملياردير أوكراني حولها دويتشه بنك.
ويقول توم كاردامون، العضو المنتدب لشركة النزاهة المالية العالمية، وهي منظمة مقرها واشنطن تتتبّع التدفقات المالية غير المشروعة في جميع أنحاء العالم، إن المصارف بحاجة إلى القيام بعمل أفضل لإغلاق هذه الحسابات بمجرد أن يروا أسبابا متكررة لتقديم تقارير الأنشطة المشبوهة.
ويؤكد المحلل المالي أن ثمة زبائن سيئون للغاية لدرجة أن العديد من تقارير البحث والإنقاذ يتم رفعها بشأنهم، ولكن لم يفعل أحد أي شيء حيال ذلك حتى الآن.
وتلقي الوثائق المسربة الضوء على نظام خاطئ حيث تشكو البنوك من التقارير التي لا تحصل على متابعة من السلطات، بينما يقول النقاد إن المقرضين يقومون بفحص الصناديق دون اتخاذ خطوات ذات مغزى لوقف الجريمة المالية.
وكل هذا يشكل خطرا على البنوك الدولية الكبرى التي دفعت ما مجموعه عشرين مليار دولار من 2012 إلى 2015 لوجود ضوابط متساهلة ضد غسيل الأموال، أو مساعدة الزبائن على التهرب من الضرائب أو انتهاك العقوبات الأميركية.
ويؤكد دان ستيبانو، الشريك في شركة بوكلي للمحاماة ونائب كبير مستشاري أو.سي.سي أن تقديم تقارير البحث والإنقاذ ليس بطاقة خروج خالية من السجن، فالعديد من المصارف واجهت إجراءات إنفاذ كبيرة بعد تقديم العديد من التقارير، وبالتالي فشلت في اتخاذ الإجراء المناسب بشأن أصحاب الحسابات المفتوحة لديها.