قرّر المصرف المركزي وضع قيود على السحب بالليرة للحدّ من تدهورها عبر لجم السوق السوداء من جهة وإخراج الأموال (الليرات والدولارات) المخزنة في المنازل من جهة أخرى، الّا انّ هذا التوجّه اثار نقمة شعبية، ما لبثت انّ هدأتها جمعية المصارف، بتطمينها المودعين «انّها ستستمر بتأمين السيولة النقدية بالليرة اللبنانية للسوق بشكل طبيعي، وفق ما جرت العادة خلال الفترة الماضية».
لكن هذه التطمينات لم تطمئن كل المودعين، الذين لجأ البعض منهم منذ مطلع الأسبوع، الى سحب كمية النقدي المسموح بها، تفادياً لتجرّع كأس الدولار المحبوس، وتحول الليرة اللبنانية الى عملة صعبة، ليتبيّن انّه منذ مطلع الاسبوع انخفض سقف السحوبات بالليرة في غالبية المصارف، انما بتفاوت بين مصرف وآخر.
وفي السياق، يشدّد الخبير المصرفي نسيب غبريل على انّ لا توجّه لدى المصارف بخفض سقف السحوبات في الليرة اللبنانية. وقال لـ»الجمهورية»: «انّ القرار الذي أصدره مصرف لبنان يضع سقفاً لسحوبات المصارف في حساباتهم الجارية في مصرف لبنان، على انّ كل مبلغ يزيد عن هذا السقف يتمّ سحبه من حساباتهم المجمّدة لديه، لكن بعدما اعتبرت بعض المصارف انّ هذا القرار سينعكس على سقف سحوبات المواطنين، عمدت جمعية المصارف الى اصدار قرار تؤكّد فيه انّ سقف السحوبات لن ينخفض، وتحث فيه المواطنين على استخدام وسائل اخرى للدفع، مثل التحويلات بين المصارف او الشيكات او بطاقات الدفع». وأكّد انّه «بالاتفاق مع مصرف لبنان قرّرت المصارف ان تتحمّل هذه الكلفة، لذا ليس من المفترض بأي مصرف ان يخفّض سقف السحوبات».
السحوبات مستمرة منذ عام
أما اذا كان هذا القرار قد خلق حالة هلع عند المودعين، وسارعوا بنتيجته الى التهافت على سحب اموالهم من المصارف، خوفاً من تكرار سيناريو الدولار المفقود، قال غبريل: «انّ حركة الودائع في القطاع المصرفي تراجعت في اول 8 اشهر من هذا العام 15 ملياراً و800 مليون دولار، وانخفضت منذ اول العام 2019 لغاية آب 2020 بنحو 31 مليار دولار. وتظهر هذه الأرقام، انّ المودعين يسحبون اموالهم من المصارف منذ مطلع العام 2019، حتى عندما توقفت السحوبات بالدولار استُكمل السحب بالليرة».
وكشف عن ارتفاع الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في اول 9 اشهر من السنة الحالية بنسبة 125%، وزادت بين ايلول 2019 وايلول 2020 بنسبة 267%، ما يعني انّها عملياً ارتفعت من 6500 مليار ليرة في أواخر ايلول 2019 الى 24 الف مليار ليرة في ايلول 2020. اضاف: «تُظهر هذه الارقام حجم السيولة الموجودة في السوق، ان كان لدى الشركات او لدى الافراد، وتؤكّد انّ الناس تخزن الاموال في منزلها، كما تعمد بعض الجهات الى تخزين الليرات لاستعمالها بغرض المضاربة على سعر صرف الليرة في السوق السوداء».
وعمّا اذا كان فرض قيود على سحب الليرة هو الإجراء الوحيد الممكن اتخاذه لامتصاص الكتلة النقدية في السوق، يقول غبريل: «تعالج المصارف المركزية عادة موضوع التضخم من خلال سياسة تحريك الفائدة، لكن بما اننا في ازمة مالية ونقدية واقتصادية عميقة، فهذه الاداة غير متوفرة اليوم، لذا يبقى الحل بيد السلطة التنفيذية التي عليها اعداد مشروع انقاذي، تعود من خلاله الى طاولة المفاوضات مع صندوق النقد، بهدف الوصول الى اتفاق تمويلي انقاذي معه. فحلّ ازمة السيولة والتضخم يبدأ باستعادة الثقة واستعادة الاسواق لعملها الطبيعي، بحيث يكون بإمكان المركزي تحريك الفائدة للجم التضخم».