عرض وزير المال البريطاني ريشي سوناك الأربعاء خطته للميزانية من أجل دعم اقتصاد المملكة المتحدة المنهك بفعل وباء كوفيد-19 والذي سيحرم من الأموال الأوروبية بعد بريكست. فيما استبعد الاتحاد الأوروبي أي اتفاق مع بريطانيا لمرحلة ما بعد بريكست على حساب سوقه الموحدة.
ولا يزال هناك أقلّ من أربعين يوماً قبل 31 ديسمبر/كانون الأول، تاريخ انتهاء المرحلة الانتقالية ما بعد بريكست. وبعد هذا التاريخ، ستتوقف بريطانيا التي خرجت من الاتحاد في 31 يناير/كانون الثاني، عن تطبيق المعايير الأوروبية. ومن دون إبرام معاهدة تجارية تنظم علاقتهما، تواجه لندن وبروكسل خطر التعرض لصدم اقتصادية جديدة، تُضاف إلى تلك الناجمة عن أزمة تفشي فيروس كورونا المستجدّ.
واقترضت بريطانيا مبلغا قياسيا وقدْره 215 مليار جنيه إسترليني (285 مليار دولار) في أول 7 أشهر من السنة المالية، وتتجه لاقتراض ما يقرب من 400 مليار إسترليني في السنة المالية الجارية، وهو أعلى معدل اقتراض بالنسبة لحجم الاقتصاد منذ الحرب العالمية الثانية. ويقول المكتب الوطني للإحصاءات إن الدين العام ارتفع ليبلغ 2.077 تريليون إسترليني أو ما يعادل 100.8 في المائة من الناتج الاقتصادي السنوي في أكتوبر/ تشرين الأول.
وحذر سوناك في نهاية الأسبوع الماضي عبر شبكة “سكاي نيوز” من أن المملكة تخضع لـ”ضغط هائل” وتواجه “صدمة اقتصادية” ضخمة، ملمحا إلى تخفيض أول للنفقات.
ويلقي سوناك كلمة أمام البرلمان قرابة الساعة 12,30 بتوقيت غرينتش يعلن فيها تدابير جديدة لدعم الوظائف، وأبرزها آلية تعرف باسم “الانطلاقة الجديدة” سيرصد لها مبلغ 2.9 مليار جنيه استرليني على ثلاث سنوات لمساعدة “أكثر من مليون شخص عاطل عن العمل على البحث عن وظيفة”.
ومن المتوقع كذلك أن يمدد الوزير حتى نهاية مارس/آذار برنامج تدريب يسمح لأصحاب العمل بتقاضي ألفي جنيه استرليني لكل متدرب جديد يتم توظيفه، سعيا لمكافحة البطالة التي سجلت ارتفاعا كبيرا في الأشهر الماضية تحت تأثير تبعات تفشي وباء كوفيد-19.
وكانت وطأة الأزمة الصحية شديدة على قطاعات الطيران والسياحة والتوزيع والمطاعم والملاهي والحانات الليلية وصالات الرياضة. وتسجل بريطانيا أعلى حصيلة وفيات جراء فيروس كورونا المستجد في أوروبا، مع إحصاء أكثر من 55 ألف وفاة بين الذين ثبتت إصابتهم.
كذلك هي من البلدان الأوروبية الأكثر تأثرا على الصعيد الاقتصادي، مع تسجيل إجمالي ناتجها الداخلي تراجعا قياسيا قدره 19.8% في الفصل الثاني من السنة. ويكشف مكتب مسؤولية الميزانية البريطاني وهو هيئة عامة الأربعاء توقعاته الاقتصادية الجديدة التي تستند إليها الحكومة.
ومن المتوقع أن تؤكد الأرقام الجديدة زيادة هائلة في عجز الميزانية العامة الذي قد يقارب 400 مليار جنيه استرليني لفترة 2020-2021، في حين يتخطى الدين ألفي مليار جنيه استرليني.
أنفقت الحكومة حتى الآن حوالى 200 مليار جنيه استرليني، خصص قسم منها لآلية البطالة الجزئية التي مددتها الحكومة ستة أشهر حتى آذار/مارس 2021، وفق قرار أعلنته قبل إعادة فرض الحجر المنزلي في نوفمبر/تشرين الثاني.
وإن كانت الحكومة ترفض العودة إلى نهج التقشف الذي تم اتباعه في العقد الماضي، فإن الوزير لمح إلى احتمال تجميد الأجور في الوظائف العامة باستثناء نظام الرعاية الصحية الوطني، وخفض المساعدات للخارج، ما يثير منذ الآن انتقادات شديدة.
وإلى حماية الوظائف، من المتوقع أن يكشف الوزير (40 عاما) عن رصد 151 مليون جنيه استرليني للمساعدة على التكفل بالمشردين الذين ارتفعت أعدادهم بشكل كبير منذ بدء تفشي الوباء، وفقاً لتقرير “فرانس برس”.
كذلك، يترقب الجميع ما سيعلنه بشأن مسألة الاستثمارات المحلية من أجل “إعادة التكافؤ” بين الشمال الأكثر فقرا ومناطق العاصمة والجنوب الأكثر ثراء، عملا بأحد أبرز الوعود الانتخابية لرئيس الوزراء بوريس جونسون.
وأفادت وزارة المال أن سوناك سيعلن “استثمارات بقيمة عشرات مليارات الجنيهات الاسترلينية” وسيكشف تفاصيل حول صندوق “تقاسم الازدهار” الذي أعلن عنه كبديل للأموال الأوروبية التي استفاد منها كثيرا شمال إنكلترا وويلز.
ومن المقرر رصد حوالى 220 مليون جنيه استرليني لتمويل مشاريع مثل مدّ كابلات الألياف البصرية والمواصلات، أو بنك وطني سيتم إنشاؤه في شمال إنكلترا وهدفه تمويل البنى التحتية والتحول البيئي.
مع انتهاء الفترة الانتقالية ما بعد بريكست في 31 ديسمبر، يعم القلق أوساط الأعمال في غياب تقدم ملموس في المفاوضات التجارية البريطانية الأوروبية.
وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق، يتم العمل تلقائيا بنظام منظمة التجارة العالمية الذي يترافق مع إعادة فرض رسوم جمركية ستكون عواقبها وخيمة على العديد من الصناعات.
ويؤكد قطاع السيارات أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق سيكلفه 55 مليار جنيه استرليني حتى 2025.
وبعدما كان الدفاع عن الحدود البريطانية بمواجهة تدفق المهاجرين غير القانونيين من أبرز الدوافع خلف التصويت لصالح بريكست قبل أربع سنوات، من المتوقع أن يعلن سوناك رصد 220 مليون جنيه استرليني لتعزيز أمن الحدود.
وسيتم أيضا تخصيص 3 مليارات جنيه استرليني لنظام الرعاية الصحية الوطني، الضمان الصحي الشامل الذي يفتخر به البريطانيون والذي يعاني من سوء تمويل مقارنة بالدول الصناعية الأخرى، وذلك لتمكينه من مواجهة الموجة الثانية من وباء كوفيد-19.
كذلك، ستدرج المدارس والجيش على قائمة الأولويات المالية، فضلا عن إنشاء مركز جديد لمكافحة الإرهاب، وفق فرانس برس.
من جهتها أكّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين الأربعاء أن اتفاقاً تجارياً محتملاً لمرحلة ما بعد بريكست بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يجب ألا يؤثر على “تكامل السوق الموحدة”.
وقالت أمام النواب الأوروبيين في وقت أصبحت المفاوضات في مرحلتها الأخيرة، “سنفعل كل ما في وسعنا للتوصل إلى اتفاق”. وأضافت “لكننا لسنا مستعدين لتقويض تكامل سوقنا الموحّدة” خصوصاً احترام معاييرها البيئية والاجتماعية والمالية أو المساعدات الحكومية.
وشدّدت فون ديرلاين على ضرورة وضع آليات في الاتفاق المستقبلي في حال انحرف الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا مع الوقت عن المعايير المشتركة المتفق عليها. وقالت “الثقة جيدة، لكن القانون أفضل”.
وتطالب بروكسل بآلية تسمح لها باتخاذ تدابير مضادة فورية وأحادية الجانب في حال حصل تغيير مفاجئ للمعايير من جانب أحد الطرفين لتجنّب حصول أي منافسة غير عادلة، الأمر الذي ترفضه المملكة المتحدة.
وذكّرت فون ديرلاين بأن هذه الضمانات في ما يخص المنافسة العادلة هي إحدى النقاط الثلاث التي تعرقل المفاوضات، بالإضافة إلى مسألة وصول الأوروبيين إلى المياه البريطانية وحوكمة الاتفاق المستقبلي.
وفي ما يخصّ مسألة الصيد وهي مصدر توتر بالنسبة لعدد من الدول الأعضاء من بينها فرنسا، قالت فون ديرلاين: “لا أحد يشكك في سيادة المملكة المتحدة على مياهها الخاصة، لكننا نطالب بإمكانية وضع التوقعات وبضمانات للصيادين الذين يبحرون منذ عقود” في المنطقة.
وأكدت أن “هذه أيام حاسمة للمفاوضات مع المملكة المتحدة. لكن بصراحة، لا يمكنني أن أقول لكم اليوم ما إذا سيكون هناك اتفاق في نهاية المطاف”.
وتابعت أن الأمر الوحيد المؤكد هو أنه “سيكون هناك فرق واضح بين أن تكون عضواً كامل العضوية في الاتحاد وأن تكون ببساطة شريكاً مهماً”.