الجزائر تلجأ إلى خفض قيمة العملة لتقليص عجز الميزانية

سجلت العملة الجزائرية خلال الأيام الأخيرة تهاويا لافتا في السوقين الرسمية والموازية، رغم استمرار غلق المجال الجوي والبري والبحري، في إطار الإجراءات المتخذة لمواجهة وباء كورونا، وهو ما ينذر بارتفاع كبير في أسعار المواد الاستهلاكية الموردة، وبتراجع جديد للقدرة الشرائية.

عرف الدينار الجزائري انهيارا لافتا في السوقين الرسمية والموازية خلال الأيام الأخيرة، أمام العملات الصعبة، حيث تجاوز سعر اليورو في السوق الرسمية (البنوك) سقف الـ150 دينارا، والدولار الأميركي 130 دينارا، أما في السوق الموازية، فقد ناهز الأول سقف الـ210 دينارات، والثاني الـ180 دينارا.

ويبدو أن الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة في قانون الموازنة العامة للعام 2021، المتعلقة بخفض قيمة العملة المحلية أمام سلة العملات الصعبة، قد دخلت مبكرا، وقد تغذت من إشاعات الفتح القريب للمجال الجوي والبري والبحري وعودة حركة السفر والتبادل التجاري.

ويتوقع خبراء في المالية انهيارا مطردا للعملة المحلية في المدى القريب، تبعا لسير الحكومة في هذا الاتجاه لتوفير كتلة نقدية إضافية، لتعويض النقص المسجل في الخزينة العامة، فضلا عن سعيها لتغطية العجز، الذي قدر في قانون المالية الأخير بأكثر من 20 مليار دولار.

ويرى الخبير المالي عبدالرحمن مبتول، أن “ركود الاقتصاد الحقيقي يدفع بنك الجزائر إلى خفض قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية، مثل اليورو والدولار، وأن التضخم في حالة تسارع سعره، سيكون له تأثير ملحوظ”.

وأضاف “بلغت العملة الأوروبية الموحدة أكثر من 2000 دينار في السوق الموازية، في حين يتم تداولها في البنوك العاملة بحوالي 160 دينارا، وهنا تبدو الفجوة واضحة، وهي مرشحة للتوسع إلى ما هو أبعد من ذلك، كما ينتظر أن يؤدي فتح الحدود واستئناف الرحلات الجوية والبحرية والبرية، إلى رفع سعر الصرف في السوق السوداء إلى 230 أو 240 دينارا مقابل يورو واحد”.

وينذر هذا التحول المفاجئ في سوق العملة المحلية، بارتفاع في نسبة التضخم مقابل تراجع القدرة الشرائية لغالبية الجزائريين، الأمر الذي سيوسع دائرة الفقر وتغذية الاضطرابات الاجتماعية، بعدما تراجعت إمكانيات الحكومة لشراء السلم والاستقرار الاجتماعيين.

ويذكر مبتول، أن “التوقعات قد تكون أكثر قتامة، وإذا لم تتم السيطرة على التضخم بنسبة 10 في المئة أو 15 في المئة فقط، فإن الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف الموازي سوف يكون أعظم”، لكن الأرقام الرسمية لا زالت تضع مؤشر التضخم تحت سقف الـ3 في المئة.

وتبقى السوق الموازية لتجارة العملة في الجزائر بمثابة التابو المالي والاقتصادي، الذي لم تحسم فيه أي من الحكومات المتعاقبة على إدارة شؤون الاقتصاد المحلي، ورغم الحديث الدائر عن إطلاق سوق الصرافة في البلاد للقضاء على التجارة الموازية، إلا أنه لم يتحقق شيء من هذا القبيل.

ويرى متابعون للسوق السوداء، أن وقوف لوبيات نافذة في عالم المال والأعمال وتبييض العملة، هو العائق الحقيقي وراء استمرار هذه الفضاءات غير الشرعية، لكنها تتم في الغالب تحت أنظار السلطات الأمنية، وبالقرب من مباني سيادية، على غرار مقر البرلمان بالعاصمة، الذي لا يبعد إلا بضعة أمتار عن الساحة المذكورة.

ويؤكدون أن “وزارة المالية، عن طريق بنك الجزائرالمركزي، تعمل على خفض قيمة الدينار، وهو خيار غير مجد في ظل غياب أي انتعاش للإنتاج وأن الاعتقاد بأن مواجهة هذا الوضع السيء يتم بالذهاب إلى التضخم المفرط، سوف يؤثر كثيرا على الطبقات الأكثر حرمانا”.

ويرى محمد دولار، كما يلقب في السوق السوداء للعملات، أن “تجارة العملة عرفت ظروفا صعبة وركودا غير مسبوق خلال الأشهر الماضية بسبب جائحة كورونا، وإجراءات الحظر، التي طبقت على حركة السفر من وإلى الجزائر، ومن الطبيعي أن تشهد هذه الانتعاشة خلال هذه الأيام لاسيما في ظل الحديث عن رفع الحظر عن السفر، والتراجع المسجل للدينار في البنوك”.

وعن سؤال لـ”العرب”، حول تفاصيل أكثر، قال “لما تنزل قيمة العملة المحلية يتجه المكتنزون إلى تعويضها بالعملة الصعبة حفاظا على قيمة أرصدتهم، بدل تركها في شكل عملة محلية تتجه نحو التآكل، ثم إن حركة السفر والتجارة الموازية كانت تمثل مصدرا رئيسيا في حركة البيع والشراء”.

وقد ساهمت هذه العوامل مساهمة كبيرة في جعل هذه السوق موجهة نحو صرف العملات الأجنبية بصورة غير قانونية، وهي سوق تسعى الجزائر إلى الحصول عليها على نطاق واسع، مما دفع اليورو بشكل أساسي إلى الارتفاع إلى عنان السماء قبل الدينار.

أما الخبير الاقتصادي خيرالدين برانسي، فيرى أن “هذا التعافي الخجول يعتبر عاملا مباشرا يؤثر على أداء السوق، وأن سببه الرئيسي ولد من الطلب القوي على اليورو والدولار، نظرا لتراكم ثمانية أشهر من الحظر، وأن قيمة السوق الموازية ستعود للاستقرار بعد تشبّع الطلب”.

وعرف الدينار الجزائري انخفاضا مطردا خلال السنوات الأخيرة، ينتظر أن يفوق الـ30 في المئة في غضون السنتين القادمتين، بعدما وضعت الحكومة الحالية مخطط الخفض كأحد حلول تغطية العجز على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، دون وضع بدائل للتداعيات الاجتماعية التي قد تهز الاستقرار الداخلي.

مصدرالعرب اللندنية - صابر بليدي
المادة السابقةأردوغان يدافع عن الاستثمارات القطرية في تركيا
المقالة القادمةالاتحاد الأوروبي يكشف ملامح خطته لتنظيم القطاع الرقمي