يتخبّط لبنان بأزمة هي الأشد في تاريخه، وفيما الانهيار مستمر، كل مسؤول في لبنان “مصيّف” في مجّرة بعيدة آلاف السنين الضوئية عمّا يلمسه المواطن اللبناني على أرض الواقع، تبقى الحلول معدومة، كما ان تأليف حكومة جديدة أضحت لعبة “الارجوحة” التي “دوّخت” اللبنانيين، الذين ينتظرون خبراً ساراً يكوي جمرات غضبهم، ويبقى الحل الجذري متمثلاً بالإصلاح ووقف الهدر والفساد لإعادة إطلاق عجلة النمو واستعادة الثقة، وما دون ذلك سيبقى محاولات ناقصة قد تزيد من مآسي الشعب.
لجأ عدد كبير من المواطنين لاتباع سياسة تقشفية في الاستهلاك اليومي لمختلف السلع والخدمات التي شهدت ارتفاعات غير مسبوقة، سببها كارثة سعر الصرف مقابل الدولار منذ اكثر من عام، والذي لامس الـ 9000 مقابل الليرة اللبنانية، وما زال في اتجاه تصاعدي، مما أدّى الى تراجع المداخيل التي لم تطرأ عليها زيادات توازي الى حد ما الاعباء المالية الجديدة، ومن البديهي ان ينعكس ذلك سلباً على القوة الشرائية ويؤدي بالتالي إلى التأثير على مستوى الطلب المحلي.
وبسبب الاوضاع المادية المتردية الناجمة عن ارتفاع الاسعار التي طالت معظم السلع ان لم يكن جميعها، اضطرت أُسر لبنانية الى ضغط معدل استهلاكها اليومي حيث أصبح بعضها يطفئ ثلاجته لساعات طويلة في اليوم وخصوصاً وقت انخفاض درجات الحرارة للتوفير في فاتورتي الطاقة واشتراك المولدات.
كما توجهت أُخرى الى جمع الحطب لأغراض التدفئة لمواجهة العواصف المناخية، لأن اوضاعها لا تسمح بشراء المحروقات، وبالتحديد مادة المازوت “المنقرضة” أصلاً والسبب أزمة التهريب الى سوريا، فتلك الحالة المستعصية هي مصيبة كبيرة تؤرق الجميع.
ويبدو انه كُتب على المواطن التعايش مع قرارات صعبة، مثل قرار إلغاء دعم المشتقات النفطية. “الله يعين المواطن”، أسعار النفط العالمية بلغت حوالى 64 دولاراً للبرميل… وقد وصل سعر صفيحة البنزين صباح اليوم إلى 32200 بعد زيادة بلغت 1700 ليرة. إذ كلما ارتفع سعر البرميل دولاراً ارتفعت فاتورة الدعم الحكومي، علماً أن انخفاض سعر برميل النفط لم ينعكس انخفاضاً على السعر المحلي، بدليل أنّ تدهور سعر البرميل إلى حدود الـ 37 دولاراً في تشرين الأول الماضي، لم يقابله انخفاضاً في سعر صفيحة البنزين في لبنان، وكأنه قرار أُتخذ بتمرير مبطن لرفع الدعم، “بقناع” الاسعار العالمية، وهذا يترجم تواطؤاً مع تجار الاسواق السوداء، لن تستطيع وزارة المال التعايش معه طويلاً، مما يُهدد بإنفجار اجتماعي كبير.
وهنا نسأل: إن كان رفع الدعم عن المحروقات دواءً لا مهرب بديلاً عنه لحماية الاقتصاد من تبعات العجز فليكن. لكن ماذا فعلت الحكومة لضمان استمرار الدعم للشرائح المحتاجة؟ وبالطبع، واجب عليها تقديم نماذج في وقف المصاريف غير الضرورية والحفاظ على ما تبقى من المال العام من الهدر والتبذير والسرقات، ليست ذنب المواطن، فبأي “ذنبٍ يُضرب”؟!.