غبار الأزمة المفتعلة التي نشأت عقب قرار مجلس الشورى تجميد السحوبات على سعر 3900 ليرة للدولار، لم يحجب الأفق المسدود الذي وصلت إليه الأزمة الحكومية. الحريري أقفل ملف التشكيل بحلفاء أقل، لكنه اطمأن إلى أن حليفه رياض سلامة لا يزال يغذّي الأزمة.
الحريري لم يخسر حليفه الأقوى في حزب المصرف، أي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي لا يزال يدير كل ما يتصل بالسياسات النقدية، ويتعدى على الاقتصاد والمالية العامة. وهو وإن يظهر في خلاف مع المصارف على كيفية التعامل مع جزء من ودائع الناس، إلا أنه لا يزال يرفض السير في خطوات تساعد على معالجة جانب من الأزمة. وما إسراعه، أول من أمس، إلى التقيّد الحرفي والمباشر والفوري بقرار مجلس شورى الدولة الخاص بوقف تنفيذ التعميم الرقم 151 الخاص بالسحب النقدي للدولار على سعر 3900 ليرة للدولار، سوى إشارة إضافية من جانبه إلى كونه لا يزال فاعلاً في الجبهة التي تدعم وصول الرئيس الحريري بطريقة تمنحه اليد المطلقة في بيع ما تبقّى من قطاعات الدولة بحجة الحصول على مساعدات وديون خارجية جديدة.
خطوة سلامة التي ألغيت أمس بقرار في قصر بعبدا، غير معروف الأصل القانوني، لم تكن لتتم لولا قرار رئيس مجلس شورى الدولة فادي الياس. هذا القاضي الذي لم يمر وقت طويل على تثبيته شرعية مزيفة للأرض المغتصبة في وسط بيروت من قبل شركة «سوليدير» ورعاتها، اتخذ قراراً ينمّ عن نقص في إدراك مخاطر قرارات نوعية في مثل هذه اللحظات. صحيح أن القرار كان يجب أن يصب في مصلحة المودع الذي يفترض به الحصول على وديعته بالعملة التي أودعها بها في المصرف، لكن القاضي المعني يعرف أن مصرف لبنان، كما بقية المصارف، لم تلتزم مطلقاً بأي حكم أو قانون أو قرار صدر خلال العامين الماضيين لضمان بعض حقوق المودعين.
في خلاصة تداعيات قرار «الشورى»، وبالرغم من تجميد العمل به، فإنه حقق للمصارف أكثر مما كانت تتمناه. وإذا كان المطلب سابقاً الكف عن سرقة المودعين من خلال اقتطاع 70 في المئة من السحوبات التي تتم على سعر 3900، فيما الدولار وصل سعره في السوق السوداء إلى 13 ألفاً، فقد صار أقصى مراد المودعين الاستمرار في سرقة السبعين في المئة لأن البديل سيكون سرقة 90 في المئة إذا اعتمد السعر الرسمي في السحوبات.
ومن قصر بعبدا، تلا سلامة بياناً أعلن فيه أن مصرف لبنان لم يتبلّغ صورة صالحة عن القرار المذكور للتنفيذ، وبما أن المصرف قد تقدم بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة تضمنت عناصر إضافية جديدة لم تكن واردة في الملف، فقد تقرر اعتبار التعميم الرقم 151 الصادر عن مصرف لبنان ساري المفعول، وستعمل المصارف بموجبه. ورداً على سؤال، قال إن «مصرف لبنان ليس مفلساً، وأموال اللبنانيين موجودة في المصارف، وليست لدى مصرف لبنان». كما نفى أن تكون أموال المودعين قد تبخّرت، مؤكداً أنه «قريباً سنبدأ بإعادتها».