العتَمة الشاملة حلّت… ولا مخرج إلا بالنفط العراقي

العتَمة الشاملة حلّت. كل لبنان شهد بأمّ العين ماذا يعني أن تنقطع الكهرباء ليوم كامل. الأسباب هي نفسها. لا فيول للمعامل، بعد تأخير فتح الاعتمادات. الانخفاض القياسي في الإنتاج أدّى تلقائياً إلى فصل كل المعامل عن الشبكة. المطلوب، على ما يبدو، ليس إيجاد الحلول، بل أن يعتاد الناس العتمة كما تعوّدوا شحّ البنزين. فما جعل العتمة الشاملة واقعاً سيتكرر. شحّ الدولار وتقنين مصرف لبنان لفتح اعتمادات الفيول ورفضه تمويل حاجة القطاع إلى قطع الغيار والصيانة، ستجعل المعامل مهدّدة بالتوقّف كل يوم. لا جديد في الإشارة إلى أن الأزمة اليوم مرتبطة بتأخّر مصرف لبنان بفتح اعتمادات شحنة «ديزل أويل»، ثم تأخّر المصرف المراسل في تأكيد هذه الاعتمادات (تلك خطوة صارت ضرورية للمورّدين العالميين ليوافقوا على التعامل مع لبنان).

الخبر نفسه سيتكرر مع كل شحنة. فُتح اعتماد، لم يُفتح. أُفرِغت الشحنة، لم تُفرغ. مصطلحات دخلت إلى القاموس اللبناني في زمن الانهيار، والمرجح أن لا تُسحب منه قريباً. فطالما هنالك شح بالدولارات، وطالما أن السلطة مستقيلة من واجباتها وارتضت الذل للناس، فلا حلول في الأفق، إلا متى تقرر الخروج من نفق المعالجات الروتينية. فما حصل في الاتفاق مع العراق، يمكن أن يحصل مع دول أخرى. لم يعرف بعد ماذا تنتظر السلطة للجوء إلى أصدقاء لبنان طلباً للفيول أو حتى الغاز، إما على شكل هبات أو عبر الاتفاق على طريقة دفع مرنة.

وبحسب المصادر، بعدما أقرّت الحكومة العراقية رفع الكمية من ٥٠٠ ألف طن إلى مليون طن من النفط، انتقل الملف إلى المرحلة الإجرائية، والنقطة المركزية فيها هي الاتفاق على آلية الدفع. وهذه مسألة جرى التفاوض بشأنها بين المصرفين المركزيين العراقي واللبناني، بإشراف مباشر من رئاستَي الحكومة في البلدين.

وبالنتيجة، تقرر أن يفتح البنك المركزي العراقي حساباً مصرفياً بالدولار لدى مصرف لبنان، على أن يتم توريد الفيول إلى لبنان بعد فتح اعتماد مستندي من قبل المصرف المركزي، باسم إحدى الجهات الحكومية اللبنانية أو باسم مؤسسة كهرباء لبنان، لمصلحة المصرف المركزي العراقي (نيابة عن شركة تسويق النفط العراقية SOMO). هنا كانت الإشكالية بالنسبة إلى مصرف لبنان تتعلق بضمان عدم سحب الاعتمادات التي يفتحها من قبل الجانب العراقي. ولأن الحكومة العراقية كانت حاسمة في مسألة إعطاء لبنان فترة سماح تمتدّ لسنة في ما يتعلق بكل شحنة، تم الاتفاق على تضمين العقد ما يأتي:

ــــ يفتح مصرف لبنان اعتماداً غير معزّز (غير موافق عليه من المصارف المراسلة) كونه سيبقى في لبنان.
ــــ تحدد قيمة العقد وفق السعر الذي تعتمده شركة تسويق النفط العراقية في شهر تحميل الشحنة (تطلق الشركة مناقصة كل شهر يتحدد السعر على أساسها لكل الشهر).
ــــ تؤجل الدفعات لمدة سنة بعد تاريخ قبول مستندات الشحن، على أن يتم التسديد حصراً وفق آلية يتفق عليها مع الجانب اللبناني لغرض شراء السلع والخدمات من لبنان لمصلحة الوزارات والمؤسسات العراقية، ويتم إشعار مصرف لبنان بأوامر الدفع بناءً على اتفاقيات تُعقد بهذا الشأن وتعتبر جزءاً من الاتفاق.

عملياً، إذا أنجز الاتفاق المالي على الشكل السابق، تبقى مسألة تكرير الفيول العراقي، الذي لا يتناسب مع المواصفات اللبنانية، عالقة. فنسبة الكبريت في الفيول العراقي تصل إلى ٣ في المئة، في حين أن لبنان يمنع استعمال الفيول الذي تتجاوز نسبة الكبريت فيه نسبة الواحد في المئة. ولذلك، فإن النفط الأسود العراقي سيستبدل بأي نوع فيول يحتاج إليه لبنان، عن طريق آلية شراء النفط المعتمدة حالياً. وبحسب المعلومات، لن يتم التعاقد مع شركة واحدة لتكرير النفط أو استبداله، بل سيتم التعامل مع كل شحنة على حدة، وفق الآلية المعتمدة حالياً، أي إجراء مناقصة خاصة بكل شحنة (سبوت كارغو) لشراء الفيول أو البنزين أو المازوت…

 

مصدرجريدة الأخبار - إيلي الفرزلي
المادة السابقةلا كهرباء… لا ماء… لا دواء… والدولار إلى 20 ألف ليرة
المقالة القادمة“حقوق السحب الخاصة”… حق وطني غير مسموح التفريط به