لمن لا يتذكر البلبلة التي أثارتها قضية وديعة شركة “IMMS” لتجارة النفط لدى “BankMed”، فاوائل الازمة المالية، حاولت “IMMS” سحب وديعتها الا ان “بنك البحر المتوسط” امتنع عن رد الوديعة البالغة مليار دولار. فادّعت الشركة التابعة لشركة لاخاني (Lakhani) في ولاية نيويورك الأميركية على المصرف اللبناني، متهمة إياه بعدم ردّ وديعة بمليار دولار بعد المطالبة بها، وذلك بعدما أنهى جميع التسهيلات الائتمانية للشركة بحجة “التغيّر الجوهري المعاكس في الوضع الاقتصادي للبنان والسوق المالية اللبنانية”. بعد ذلك، أنهى BankMed علاقته التجارية مع الشركة وألغى عدة حسابات مصرفية…
ليس في كلّ ما ذُكر حتى الآن ريبة، الا ان الخطورة تكمن في ما ذكرته وكالة “Bloomberg” عن تحويلات مالية بملايين الدولارات كانت تتم يومياً بدءاً من احد فروع مصرف روسيّ في زيورخ، مروراً بـ” Citigroup Inc” في نيويورك وصولاً الى “بنك ميد” في لبنان. لكن وقبل التوغّل في كلّ التفاصيل المصرفية، وكيف مرّت دفعات مشبوهة كهذه من امام أعين لجنة الرقابة على المصارف ومعها جهاز المصارف وجمعيته، لا بدّ من التوقف عند نقطة واحدة وهي استخدام ” بنك ميد” كمركز مقاصة لثروة النفط المكتشفة حديثاً في كردستان من دون ان تُثار حفيظة مصرف اعتاد على غرار غيره من المؤسسات المالية اللبنانية طلب مئات الأوراق والمستندات والاثباتات في حال أراد مودع ما تحويل اكثر من 10 آلاف دولار الى حساب آخر… لكن هكذا تكون الحال عندما ترتبط الحكاية بالبترو-دولار وبالتنازع على موازين القوى في الشرق الأوسط.
تُظهر دعوى النزاع بين شركة لاخاني “IMMS” و “BankMed”، مئات الصفحات من التحويلات البرقية، ورسائل البريد الإلكتروني، مما يوفر نظرة ثاقبة على دور رجل الاعمال الباكستاني الأصل مرتزة لاخاني في قلب واحدة من أهم صفقات النفط في السنوات الأخيرة وهي بيع الخام الكردي.
كانت علاقة لاخاني بالحكومة الكردية استثنائية بالنسبة لشخص خاص وذلك من خلال شركته IMMS” Ltd”. وفي هذا السياق، تعامل لاخاني مع الشركات العالمية التي تتعاطى التجارة النفطية كـ”Rosneft” و”Vitol Group ” و”Trafigura Group”؛ وقام بتسديد مبالغ لشركات أجنبية تدين لها حكومة إقليم كردستان بالاموال، كما وحول مئات الملايين من الدولارات إلى وزارة المالية الكردية نفسها.
وبحسب “Bloomberg” ايضاً فان مصدر احدى الدفعات شركة روسنفت “Rosneft” الروسية العملاقة للنفط التي قدمت قرضاً لحكومة إقليم كردستان الانفصالي شمال العراق، على ان يتم تسديدها ببراميل من النفط الخام.
هذا وتضمن احد اكبر مشاريعه التجارية أخيراً تسويق منتج صعب للنفط: فنزويلا. وعلى مدى عدة أشهر في 2019 و 2020، ساعدت شركة لاخاني في شحن النفط الخام الفنزويلي عبر مسار غامض – التقطت ناقلاته النفط في منتصف الطريق من خلال رحلتها، عبر نقل سفينة إلى سفينة قبالة الساحل الغربي لأفريقيا، بعد أن فرضت واشنطن عقوبات على “Rosneft Trading SA”.
وكانت وزارة الموارد الطبيعية الكردية قد اعتبرت في بيان إنها وافقت على استخدام حساب IMMS في مصرف لبناني العام 2017 لأنه “ليس لديها خيارات أخرى قابلة للتطبيق”، فكانت شركة لاخاني “مقدمة خدمة فقط ولا تدفعها حكومة إقليم كردستان إلا بموجب عقدها”.
بدأ لاخاني عبر IMMS العمل مع حكومة إقليم كردستان العام 2014 فساعد في تصدير النفط الخام من خلال الخدمات اللوجستية والشحن وخدمات إدارة الموانئ. وسرعان ما اجتذبت ثروات كردستان عملاقة النفط الروسية روسنفت. وفي شباط 2017، أعلنت “Rosneft” عن أول صفقة لشراء النفط الكردي ليوقع الجانبان بعد اشهر قليلة واحدة من اكبر الصفقات النفطية، ليشكل وصول “Rosneft” وأموالها نقطة تحول بالنسبة للاخاني.
بعد ذلك بفترة وجيزة، بدأت الحكومة الكردية تواجه صعوبات متزايدة؛ ولغاية العام 2017، كانت حكومة إقليم كردستان قد تلقت عائدات نفطية عبر احد المصارف في أربيل كان على علاقة مع Commerzbank AG في ألمانيا، وعبر Halkbank في تركيا. كان ذلك قبل ان تبدأ الولايات المتحدة بالتحقيق في عمليات Halkbank لمساعدته في التهرب من العقوبات ضد إيران، فجُمّد مبلغ 200 مليون دولار من أموال الحكومة الكردية.
أدى هذا الامر الى التفات الأكراد، مرة أخرى، إلى لاخاني الذي قام بفتح حساب العام 2017 في BankMed.
مع مرور الوقت، نما تدفق الأموال إلى الحساب اللبناني لـ IMMS. فبين الـ2017 وحتى نهاية العام 2019، نفذت IMMS أكثر من 6 مليارات دولار في المعاملات المصرفية عبر BankMed، ليس فقط بشكل مباشر، ولكن أيضاً عبر الحسابات التي احتفظ بها البنك اللبناني في نيويورك مع البنوك المراسلة تحديداً Citibank و JPMorgan، وBank of New York و Standard Chartered Plc.
ومع حلول تشرين الثاني من العام 2018، وافقت IMMS على وضع مليار دولار في وديعة لمدة 3 سنوات لدى BankMed، قبل ان تنفجر الأزمة وتطال شظاياها قضية تخفي في طياتها الكثير من المليارات واكثر من المعلومات التي من شأنها ان تطيح بلاعبين نفطيين محليين ودوليين.