أوصلت الأزمة النقدية القطاع الصناعي إلى مرحلة الاختناق. إجراءات العزل منذ نهاية العام الماضي، المترافقة مع تقنين الدولار وغياب العلاج المناسب دفعته إلى حافة الإنهيار. ولم يبق لانقاذه إلا جهاز تنفس اصطناعي Respirator تمثل أخيراً فيcedar oxygen fund. فهل تؤمن هذه الآلية دولار الاستيراد وتشكل حلاً لمشكلة الصناعيين الابرز؟
نعم ولكن، يجيب أكثر من صناعي على هذه المبادرة. فهي قبل كل شيء تتطلب تكاتف وتعاون جميع الصناعيين في مختلف المجالات وكل المناطق وإلا فان مصيرها سيكون الفشل.
التكاتف أولاً
“الصندوق” يشبه إلى حد ما مصرفاً صناعياً موجوداً في “اللوكسمبورغ”. تُحول اليه عوائد الصادرات الصناعية المقدرة بـ 3 مليارات دولار بشكل كامل، على ان يعود ويقرضها إلى الصناعيين كاملة من أجل تمويل شراء حاجاتهم من الخارج. المصدرون الذين تفوق قيمة صادراتهم حاجتهم للمواد الاولية سيشكلون حجر الزاوية والرافعة الاساسية في هذا الصندوق. إذ انه من عوائد صادراتهم ستمول عمليات شراء المواد الاولية للصناعات غير المُصدرة. وهكذا يحصل الصناعي الذي ينقصه الدولار على حاجته من خلال قرض بفوائد معينة، ويحصل في المقابل الصناعي الذي يفيض عنه الدولار على فائدة مقابل اعطائه الدولار. وتلحظ المعادلة هامش ربح محدد للصندوق.
من دون “منّة” الدولة
في الظاهر تبدو هذه المعادلة win win solution. الكل يستفيد منها من دون “منّة” الدولة “بتأمين دولار صناعي بقيمة 100 مليون دولار لا تكفي الصناعيين 15 يوماً”، بحسب رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل.
الشرط الاول لنجاح “الصندوق”، الذي يجمع الممولين المغتربين والصناعيين و”المركزي”، هو مبادرة الاخير أي مصرف لبنان بوضع مبلغ من الدولار كي يسهل انطلاقة عمله. ولكن السؤال هل سيفي المركزي بوعده؟ يجيب نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش بان “الحاكم قد طمأنهم بأن الاموال مؤمنة وسيصار إلى استخدامها بما يفيد الصناعة والصناعيين”.
الشرط الثاني للنجاح وهو الاهم، يتلخص بحسب بكداش بالزامية مشاركة الصناعيين الذين تعود عليهم صادراتهم بأكثر من حاجتهم إلى المواد الاولية المستوردة من الخارج”.
لكن ما الذي قد يدفع المنضوين في هذه الخانة إلى المشاركة في الصندوق وتفويت فرصة بيع فائض الدولار بالسوق السوداء، وتمويل أكلافهم التشغيلية او حتى الاحتفاظ بها في الخارج من أجل ضمان الاستمرار أو الاستثمار وتحقيق الارباح، او حتى تنفيذ عمليات التوسع وزيادة الحجم؟
هذا السؤال المشروع برأي بكداش يجيب عليه من الناحية الافتراضية بان على الصناعيين ان يكونوا يداً واحدة في مواجهة التحديات والصعاب. أما من الناحية المنطقية فان المصدرين سيحصلون على فوائد مقابل التوظيف في هذا الصندوق، خصوصاً ان تحويل الاموال على المصارف اللبنانية غير مضمون النتائج والمصارف العالمية تحجم عن اعطاء اي فوائد على المبالغ المودعة.
الصناعي بول أبي نصر يذهب أبعد من ذلك ليقول أن لا مستقبل للصناعة اللبنانية في ظل هذه الظروف من دون هذا الصندوق. فـ”التكاتف بين الصناعيين لا يقوم على العاطفة انما على المصالح المشتركة”. فلا ينفع على سبيل المثال مصدّر الادوية ان تنهار صناعة التغليف أو الطباعة لان هذا سينعكس حتماً على توقف صادراته وحتى انتاجه.
العقبة القانونية
إنطلاقاً من هذه المعادلة يعتبر أبي نصر ان “المصدّر الذي لا يحتاج إلى كامل مردود صادراته من الدولار سيستخدم جزءاً من هذا الفائض لتغطية أكلافه التشغيلية. وبالتالي الافتراض بان تحويل هذه المبالغ إلى لبنان عبر المصارف كأموال طازجة وتصريفها في السوق السوداء على سعر صرف السوق سيصطدم بعقبة قانونية. إذ إن مدققي الحسابات في الشركات لن يسمحوا بأن تسجل العمليات في الدفاتر بناء على أسعار السوق السوداء لانها ستظهر كعملية تبييض أموال”. وبالتالي فان الشركات ملزمة على ردِّ الاموال الى لبنان واستخدامها على سعر الصرف الرسمي او ذلك المحدد من مصرف لبنان حالياً بـ 3850 ليرة. لكن اذا اراد المصدر أن يستفيد من سعر أعلى سيتوجب عليه ان يحققه من خلال المنصة أو الصندوق. “حيث تستطيع الشركات المصدرة بشكل رسمي ومقونن ان تستفيد من سعر يقع بين سعر السوق والسعر المحدد من مصرف لبنان”، يقول أبي نصر.
النقطة الثانية التي تجعل من هذه المنصة حاجة هي توفيرها السيولة الجاهزة بشكل دائم. خصوصاً مع توقف المصارف عن فتح الاعتمادات لتغطية تكاليف شراء المواد الاولية بالسرعة والحجم المطلوبين. هذا ويعتبر أبي نصر ان “المصدرين الذين درجوا على تحويل أموالهم الى مصارف في الخارج لا يستفيدون من الفوائد، في حين أن وضع الاموال في المنصة سيعود عليهم بفائدة لم تحدد بعد بشكل دقيق، انما يقدر ان تكون بحدود 4 أو 5 في المئة”.
ميزان المدفوعات الخاسر الاكبر
العمل من “برا لبرا” سيفيد الصناعة والصناعيين حتماً لكنه سينعكس سلباً على المصارف اللبنانية وعلى حجم ميزان المدفوعات. فالبنوك التي شكلت على مدار الاعوام الماضية المصب لعوائد الصادرات والموزع لها على مختلف القطاعات ستفقد فرعاً رئيسياً من فروع تغذيتها بالدولار. فيما ميزان المدفوعات سينخفض حجمه ككل وإن لم يتأثر سلبياً. ذلك ان الصادرات الصناعية تعادل قيمة الواردات من المواد الاولية بشكل عام. وبالتالي فانه كما لن تظهر عوائد الصادرات كتدفقات نقدية داخلة، فان كلفة شراء المواد الاولية لن تظهر كتدفقات نقدية خارجة. إلا ان اضافة فقدان العائدات الصناعية على انعدام الاستثمارات الاجنبية المباشرة وغير المباشرة وفقدان وتراجع تحويلات المغتربين سيصفر جهة الواردات في ميزان المدفوعات، ويتركه بعجز كبير قد يفوق العجز المحقق في كل السنين. وذلك على الرغم من تراجع حجم الاستيراد وانخفاض التحويلات المختلفة إلى الخارج.
في المحصلة فان الاكتفاء الذاتي الصناعي ستنتج عنه بضائع ومواد غذائية وصناعية بقيمة 13 مليار دولار سنوياً، 3 منها تصدر إلى الخارج فيما 10 مليارات تغذي السوق اللبناني وتشكل بديلاً عن الاستيراد. وبالتالي فان “هذه العملية ستنعكس حتماً بشكل ايجابي على ميزان المدفوعات من خلال تراجع الطلب على الاستيراد من الخارج”، كما تجزم جمعية الصناعيين اللبنانيين.