إنقضت خمسة أسابيع على تعليق موعد مناقصة تلزيم مراكز معاينة الميكانيك، والتي كانت مقرّرة في 30 تشرين الأول الماضي، من دون أن يُكتب لها دفتر شروط جديد وفقاً لما هو مقرّر، بعدما كان دفتر شروط المناقصة الأول قد سُحب «لإعادة نظر تجنّبها الطعون في حال المضيّ بها»، كما قال حينها رئيس مجلس إدارة ومدير هيئة إدارة السير والآليات والمركبات بالتكليف القاضي مروان عبود.
إلا أن النيّة بإجراء هذه المناقصة لا تزال ثابتة حتى الآن، ولا تغيير في المخطّطات، أقلّه وفقاً لتأكيدات عبود لـ»نداء الوطن». وتشدّد مصادر قانونية على «أن لا مفرّ من إتمام هذه المناقصة، كونها الخيار الصحيح الذي اتخذته الإدارة منذ البداية، ولا يمكنها التراجع عنه». وبالتالي، فإنّ إعادة تشغيل النافعة «لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال تلزيم يجري وفقاً للأصول القانونية ويضمن مبدأ المساواة والمنافسة». الدافع للبحث عن هذه التأكيدات، هو معلومات سرت في الأيام الماضية عن استعدادات تجري في مراكز المعاينة لإعادة تشغيلها في وقت قريب، من دون أن تحدّد الجهة التي ستقوم بتشغيلها، ووفقاً لأي قاعدة. الأمر الذي تطلّب إيضاحات من مدير هيئة إدارة السير، خصوصاً بعدما تبيّن أنّ ما سرّب عن إمكانية تشغيل مراكز المعاينة من دون إجراء مناقصة، لم يكن مجرد شائعة، إنما هو استنتاجات حول مشاهدات لحركة غير اعتيادية ببعض فروعها، انكشف لاحقاً أنها أعقبت طرحاً لإعادة تشغيلها، إلا أنه سرعان ما أجهض بنتيجة رفضه من قبل هيئة إدارة السير.
هذه المعلومة يؤكدها لـ»نداء الوطن» القاضي عبود الذي يتحدّث عن «شركة تبرعت أن تشغّل مراكز الميكانيك لثلاثة أشهر مجاناً، إلا أننا بعد دراسة الطلب رفضنا الأمر، حتى لا يُعتبر ذلك تفضيلاً لجهة على أخرى، أو يُفسّر تأجيلنا المناقصة بأنه جاء ترضية لهذه الشركة، علماً أنّ موافقتنا على هذا الطلب ولو لفترة محدّدة، من شأنه أن يؤمن أفضلية لهذه الشركة في حال مشاركتها بالمناقصة لاحقاً. وقد يسمح لها بالحصول على معلومات بشكل غير متساو مع جهات أخرى قد ترغب في المشاركة في المناقصة، بما يمكنها من استخدام هذه المعلومات في تحسين موقعها عند طرح التلزيم مجدّداً. بينما ليس في نيتنا تغليب مصلحة أي عارض على آخر، وبالتالي لن نقبل سوى بفرص متساوية بين كل المشغّلين الراغبين في التزام هذا القطاع».
لا يفصح عبود عن اسم الشركة التي أبدت هذه الرغبة. فالمبدأ بحدّ ذاته مرفوض قانونياً. ويؤكد في المقابل «أنّ طرح تلزيم إعادة تشغيل المراكز لا يزال قائماً، والمناقصة ستجري وهناك لجنة منكبّة على وضع التعديلات في دفتر الشروط الجديد الذي ستطلق على أساسه المناقصة مجدداً». ومع أنه يتجنّب تحديد موعد لإتمام هذه التعديلات، يعتبر عبود «أننا لا نزال ضمن المهل المعقولة للتأجيل».
رغم إصراره على تمسّكه بالنصوص القانونية في المحاولات التي تجريها هيئة إدارة السير لإعادة إنتاجيتها، لا تبدو مهمّته سهلة. فالمرفق الذي يشكّل واحداً من أبرز مصادر الدخل الذي يتوفر للدولة، هو أيضاً «القطاع» الذي يسيل لعاب السمسرات من صغيرها إلى كبيرها، حيث يجد من كلفوا بمهماتها استثنائياً إثر حملة مكافحة الفساد التي شنّت في الهيئة، إنهم مضطرون للسير بين خطوط النار للحفاظ على إنتاجية المرفق من جهة، وللحرص على عدم الإقتراب من المستنقع الذي أغرق النافعة بالفساد في الفترة الماضية.
عودة «إنكريبت» إلى وظيفتها
في هذا الوقت، تطرح علامات استفهام كبيرة على كيفية عودة INKRIPT إلى وظيفتها في تأمين خدمات النافعة، مع أنّ ملفها أحيل على القضاء، ويخضع لتحقيقات موسعة حتى من قبل لجنة تقصي الحقائق النيابية. وهو ما يجعل موقع الشركة وفقاً لمصادر رقابية «ليس في تسيير خدمات النافعة مجدّداً، إنما حيث يتمّ التثبت من أدائها السابق ومحاسبتها عليه في حال ثبتت الشبهات المثارة». فأي معادلة أعادت تشغيل إنكربت في النافعة، وماذا عن مهل عقدها التي قد لا تسمح بذلك؟
يشرح عبود أنّ «القضاء إدّعى على إنكريبت، وحوّلها إلى النيابة العامة، وبالتالي فإنّ هذا الملف حالياً هو قيد متابعة قانونية. وإلى أن يبتّ القضاء بالأمر، نسعى إلى تسيير المرفق من خلالها، وهي حالياً تؤمّن لنا البضاعة المطلوبة، علماً أنّ سقف الحقوق بالنسبة لنا يحدّده القرار رقم 13 الذي صدر عن مجلس الوزراء، وقلنا للمسؤولين في الشركة إنهم إذا كانوا يطالبون بأبعد منه فليحتكموا للقضاء». مع الإشارة إلى أن القرار 13 هو القرار الذي يعنى بمعالجة تداعيات انهيار قيمة العملة اللبنانية على عقود الأشغال والخدمات العامة الموقّعة مع الدولة. وإذ يلفت عبود إلى أنه لا يمكن «طلب لحم البقرة وحليبها في آن معاً»، في إشارة إلى أنه لا يمكن مطالبة الهيئة بتأمين الخدمات وبمحاسبة الشركة المشغّلة في آن معاً، يوضح في ما يتعلق بمهلة عقد الشركة، أنه مدّد لما يفوق العام بعد احتساب فترة تعليق المهل، وذلك كما يؤكد بناء لاستشارة تمّ الحصول عليها من قبل هيئة التشريع والاستشارات. ويعتبر عبود أنّ هذا التمديد جاء متجاوباً مع الرأي الذي قدّمه ديوان المحاسبة أيضاً. علماً أن ديوان المحاسبة كان قد حدّد مهلة انتهاء العقد في 20 أيلول الماضي، بالاستناد إلى دخول العقد في المرحلة التأهيلية وإلى إصدار أول رخصة بيومترية، ولكنه رأى ضرورة تضمين المهلة فترة تعليق المهل، بما يضمن استمرار تسيير المرفق العام.
فماذا عن موظفي هيئة إدارة السير الذين أوقفوا عن العمل إلى حين انتهاء التحقيقات بملفات الفساد التي أثيرت في النافعة، فهل ستتعاطى معهم الإدارة بليونة موازية لتلك التي أظهرتها في التعاطي مع «إنكريبت»؟
يكتفي عبود بالإجابة على هذا السؤال قائلاً: «الملف قيد الدرس من الناحية القانونية، ونحن لا نريد أن نظلم أحداً ولا أن نخالف القانون».