بالقانون، تحتكر شركتان للخدمات الأرضية في مطار رفيق الحريري الدولي صالونات الشرف منذ أكثر من 22 سنة. «الحوت الأكبر» شركة MEAG المملوكة بشكل كامل من شركة «ميدل إيست» وحصّتها 80% من مجمل عدد الزوار، و«الحوت الأصغر» شركة LAT بحصّة 20%. كانت الشركتان تدفعان للخزينة عن كل زبون يستعمل صالون الشرف، مبلغ 500 ألف ليرة، أما في موازنة 2022 فقد عُدّل المبلغ ليصبح 100 دولار نقداً، إلا أنه تبيّن أن الشركتين تفرضان تعرفة تصل إلى 200 دولار عن كل زبون، أي ضعف حصّة الدولة، وأنهما حصلتا على هذا الامتياز بقانون في الموازنة من دون مناقصة وتلزيم.
في 8 آب عام 2022 صدر القانون الرقم 301 الذي يعدّل قيمة بدل استعمال صالون الشرف المنصوص عنه في المادة 72 من قانون موازنة 2001 والمتعلق باستعمال صالون الشرف. كان البدل 500 ألف ليرة، ثم أصبح 100 دولار نقداً مقابل كل ساعة استخدام لصالون الشرف أو كسرها. تحديد الرسم بالدولار «كان إنجازاً عظيماً قاتلنا من أجله»، يقول وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية.
لكنّ هذا التشريع، في أصله وتعديلاته، يحصر تقديم هذه الخدمة بـ«الشركات الوطنية المرخّص لها بتقديم خدمات أرضية للطائرات وللشركات التي تؤمّن نقلاً عارضاً (تاكسي) في المطار لاستقبال وتوديع كبار الشخصيات ورجال الأعمال أن تتولى تقديم الخدمات في صالون الشرف». هنا مكمن العلّة، إذ إن هذا القانون الذي صدر ضمن الموازنة، يمنح امتيازاً لنوع محدّد من الشركات لا يوجد منها إلا اثنتان في المطار، هما MEAG وLAT. بمعنى أوضح، هذا القانون خلق احتكاراً في صالون الشرف من دون ضوابط. فالشركات تسلّمت صالون الشرف تلقائياً بلا أي دفتر شروط وعقد بينها وبين الدولة، وبلا حدود للتعرفة، بينما حُدّدت حصّة الدولة مسبقاً. عملياً، إن حصرية تشغيل صالون الشرف ألغت المنافسة التي كان يمكن أن تزيد حصّة الخزينة بالحدّ الأدنى. لكن بدلاً من ذلك، وجدت الشركات نفسها حرّة في تحديد التعرفة. شركة «ميغ» تعلن على موقعها بأن التعرفة تبدأ بـ200 دولار عن الراكب الواحد، ثم تصبح 350 دولاراً عن راكبين، و500 دولار عن ثلاثة ركاب، و625 دولاراً عن أربعة ركاب، و750 دولاراً عن خمسة ركاب.
يشرح حمية الفروقات بين ما ورد في القانون الرقم 301 الذي يحدّد حصّة الخزينة بنحو 100 دولار عن الشخص، وبين التعرفة التي تحدّدها الشركتان، مشيراً إلى «أنّ الرسم الذي حدّده القانون لقاء إشغال صالونات الشرف، يعود كاملاً لخزينة الدولة من دون أن ندفع منه قرشاً واحداً لتغطية الأكلاف مقابل الخدمات». وهذه الخدمات هي «تأمين سائق وسيارة عند وصول الراكب أو المغادرة، التأمين على الحقائب، ومتابعة أمور الجمارك والجوازات»، كما قال مدير الشركة ريتشارد مجاعص لـ«الأخبار»، متحدّثاً عن «أكلاف كبيرة تتكبّدها الشركة لقاء تواجد الموظفين 24/24 ساعة، وتأمين مادّة البنزين للسيارت، وخدمات البرقيات، وغيرها».
في الواقع، صدور قانون يمنح حصرية لشركات غير محددة زمنياً في قانون الموازنة، هو أمر مخالف للدستور، إنما لم يُطعن فيه، ما أسبغ عليه نوعاً من الشرعية. لكنّ هذا الأمر يثير أسئلة كثيرة: كيف يتم التحاسب بين الطرفين، أي الدولة والشركتين؟ لماذا ليس هناك عقد ينظّم هذه العلاقة «غير الدستورية» في أساسها؟ من يراقب ما تقوم به الشركات ودفاتر حساباتها وعدد الزبائن، والتسعير العادل؟
يجيب المدير العام للطيران المدني فادي الحسن: «هكذا تسير الأمور منذ زمن طويل. قبل تعديل القانون كانت الشركتان تستوفيان 100 دولار بدل كل سيارة توصّل الركاب. اليوم تطلبان 100 دولار عن الشخص الواحد، وتتراجع الأرباح كلما ازداد عدد الركاب». لا يكتفي الحسن بالإشارة إلى غياب الرقابة، بل يقولها صراحة: «ليست لدينا صلاحية للتدخل في هذه الرسوم، إذ ينحصر دورنا في استيفاء أموال الدولة فقط». ويرى الحسن أنّ «تلزيم صالون الشرف بموجب قانون الشراء العام هو استثمار جيد للدولة ويحقق الشفافية لكن ذلك غير مطروح اليوم».
كيف تحصل الدولة على حصّتها من إشغال صالون الشرف؟ يجيب الحسن عن ذلك بالقول: «وُضعت آلية تنظيمية بقرار صادر عن وزير المالية وبعد موافقة وزير الأشغال العامة والنقل. وتنصّ على ما يلي: يتقدّم المسافر بطلب إشغال صالون الشرف عند إحدى الشركتين التي ترفع الأسماء إلى المدير العام للطيران المدني أو نائبه، ويتأكد بدوره من الأسماء والأعداد حيث لا يتّسع الصالون الواحد لأكثر من خمسة ركاب قبل أن يعطي الموافقة. وتستوفي الشركة المبلغ ثم تحوّله إلى حساب خاص للمديرية العامة للطيران المدني».
رغم كلّ ما سبق ذكره، وحتى بعدما ارتفع رسم إشغال صالون الشرف من 500 ألف للمجموعة (بمعدل مئة ألف للشخص الواحد)، إلى 100 دولار للشخص الواحد، هناك إقبال كبير على صالونات الشرف، يراه الحسن «أكبر من غيره من المطارات، إذ تُفتح صالونات جديدة في المطار كل آخر شهر». وتشير أرقام المديرية العامة للطيران المدني إلى ارتفاع عدد شاغلي صالون الشرف في الشركتين من 992 راكباً في شهر كانون الثاني من العام الجاري إلى 4860 خلال شهر حزيران، علماً أنّ عدد الركاب الإجمالي ازداد بحلول موسم الصيف، ومعه ازدادت نسبة إشغال صالونات الشرف نسبة إلى مجمل عدد المسافرين (وصول ومغادرة) من 0.28% في شهر آذار إلى 0.37% في نيسان، و0.49% في أيار، و0.68% في حزيران.
تلزيم الاستقبال والتوديع
تحضّر المديرية العامة للطيران المدني لمشروع استثماري تتوقّع تنفيذه قبل نهاية الصّيف، ويتمثّل بتلزيم خدمات الاستقبال والتوديع عند المبنى الرئيسي للمطار، من تأمين من يستقبل المسافر عند باب الطائرة ومرافقته عبر ممرّ خاص لهذه الخدمة بالتنسيق مع الجهات الأمنية لتأمين عبور النقاط الأمنية. ويقول المدير العام للطيران المدني فادي الحسن في هذا الإطار: «نعدّ دفتر شروط يحدّد الشركات التي يحقّ لها المشاركة في المزايدة وفق قانون الشراء العام، وستكون المناقصة مفتوحة لعشرات الشركات»، مضيفاً: «تلزيم هذه الخدمة يدرّ على الدولة بدلات سنوية ثابتة أو بنسبة معينة من الأرباح».
تعريف
◄ شركة MEAG هي شركة تابعة لمجموعة الميدل إيست التي تملكها بنسبة 100% ويديرها ريتشارد مجاعص ولديها 800 موظّف وتقدم الخدمات لنحو 57 ألف رحلة سنوياً عائدة إلى نحو 33 شركة طيران
◄ شركة LAT كانت مملوكة من مجموعة «أبيلا» التي باعتها قبل سنوات إلى شركة مملوكة من رجل الأعمال السعودي تركي بن مقرن وواجهت مشاكل مع انتشار جائحة كورونا وصرفت أكثر من 500 موظّف