يقدّر تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في تشرين الأول الجاري بعنوان «العواقب الاقتصادية والاجتماعية لتصاعد الأعمال العدائية في لبنان»، أن خسائر الاقتصاد اللبناني لعام 2024 والناتجة من الحرب الإسرائيلية على لبنان، تبلغ 2 مليار دولار، وأن الناتج المحلي الإجمالي سينكمش بنسبة 9.2% إلى جانب ارتفاع البطالة. قطاعياً، السياحة والزراعة هما أكبر المتضررين.
انكماش كبير
يرى التقرير أن الضرر الاقتصادي الناتج من الحرب الإسرائيلية على لبنان «لن يكون بعيداً من التقديرات لحرب تموز 2006 عندما بلغت الخسائر ما بين 2.5 مليار دولار و 3.6 مليارات دولار (أي ما يُراوح بين 8% و10% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان في ذلك الوقت)». ويتوقع انكماشاً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.2%، ما يشير إلى انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي كنتيجة مباشرة للحرب. وفقاً لحسابات البرنامج، فإن هذا الانكماش في الناتج يُقدّر بنحو 2 مليار دولار، أي إن الناتج كان يبلغ نحو 22 مليار دولار. وهذا التقدير للناتج هو أعلى من تقديرات البنك الدولي التي أشارت إلى أن الناتج في عام 2024 هو أقلّ من 18 مليار دولار. والمصدر الأساسي لهذه الخسائر يأتي من تدمير البنى التحتية والمنازل والنشاطات الإنتاجية في المصانع ومحطات الطاقة وسواها.
إلى جانب ذلك، يتوقع أن يزداد معدل البطالة بنحو 2.3 نقاط مئوية، ليبلغ معدل البطالة الإجمالي 32.6%. بشكل أساسي هذا الانخفاض سببه انزياح الاقتصاد وخسائر في الوظائف وانخفاض في الطلب على العمال. مصدر الضرر اللاحق بالعمال يتعلق بالقطاعات، إذ إنه من أكثر القطاعات المتضررة «سيكون قطاع السياحة، إذ تسببت الحرب في إلغاءات لحجوزات الفنادق وانهيار الأعمال المرتبطة بالسياحة، ما أدّى إلى خسائر كبيرة في الوظائف في هذا القطاع بلغت نحو 5.1%». كما أن قطاع الزراعة هو أحد أكبر المتضررين بعدما «خسر المزارعون والعمال الريفيون وظائفهم في قطاع الزراعة مع انخفاض الإنتاج الزراعي في المناطق المتضررة من الحرب. كما فقد عدد منهم سبل عيشهم مع تدمير الحرب للمزارع والبنية الأساسية الزراعية، التي بلغت نحو 7%». ورغم أن قطاع الإنشاءات سيشهد فورة ضخمة في مرحلة الإعمار، إلا أنه حتى الآن هناك عدد من العمال لا يجدون عملاً بسبب انعدام المشاريع الجديدة.
ضربة للمؤسسات
وقد انعكست، وستنعكس مستقبلاً، الحرب على الشركات الصغيرة والمتوسطة وهي الأكثر عرضة للتضرر في جميع القطاعات. تشير تقديرات المصرف المركزي إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم تمثل نحو 90% من الاقتصاد اللبناني، «علماً أن ثلثي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم في بيروت وجبل لبنان». ويضيف التقرير أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم في جميع أنحاء البلد «اضطرت إلى إغلاق أو تعليق أعمالها بسبب القصف المباشر وحالة عدم اليقين الاقتصادي، فضلاً عن النزوح والمخاطر الأمنية وانقطاع سلاسل التوريد، وانخفاض الطلب». كذلك يشير التقرير إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الأساسية، مثل الكهرباء والاتصالات وإمدادات المياه والطرق والصرف الصحي «تعقّد العمليات التجارية والوصول إلى أماكن العمل، ما يخفّض من القدرة الإنتاجية». ويأتي هذا كلّه بعدما تعرّضت هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم لأحد أكبر الأزمات الاقتصادية والمالية في التاريخ الحديث، ما يجعل وضعها أكثر سوءاً. وبحسب التقرير «يرجح أن تعاني هذه المؤسّسات من الديون، وعدم القدرة على دفع الرواتب، وانخفاض الإنتاج، وتقليص حجم الأعمال، والفشل في الوفاء بالالتزامات المالية». هذه المؤسّسات توظف جزءاً كبيراً من اللبنانيين، وسوء وضعها خلال الحرب يسهم في ارتفاع حجم البطالة في البلد. أما من ناحية الاستهلاك «فيتوقّع التقرير أن ينخفض بنسبة 14.8%، في حين يُقدّر أن ينخفض الاستثمار الخاص بنسبة 2.77%».
من ناحية النشاط الاقتصادي، فإن القطاعات الأكثر تأثراً هي الزراعة والثروة الحيوانية التي شهدت، بحسب التقرير، انخفاضاً بنسبة 6.25%. ويشير التقرير أيضاً إلى أن قطاع الصناعة قد ينكمش بنسبة 3.87%، وقد ينكمش نشاط قطاع البناء بنسبة 1.2%. في حين «يتوقع أن تنخفض الخدمات التجارية بنسبة 8.06% وأن تعاني التجارة من انخفاض حاد بنسبة 21.18% بسبب التحديات اللوجستية وإغلاق الحدود». ومن المُقدّر أيضاً، أن تنخفض حركة التصدير بنسبة 9.8%، بينما سينعكس انخفاض الاستهلاك على حجم الاستيراد الذي سينخفض بنسبة 10.8%.
أما بالنسبة إلى القطاع العام وخدماته. فمن المتوقّع أن يواجه قطاع الطاقة والمياه «أكبر انخفاض بنسبة 24.5%، ما يؤثّر بشدّة على إمدادات المرافق». وفي هذا الأمر انعكاس أكيد على مختلف قطاعات الاقتصاد، إذ إن مجمل القطاعات تعتمد على البنى التحتية للتشغيل، وسلاسل توريدها تعتمد أيضاً على هذه البنى التي إذا تضررت ستترك أثراً كبيراً في النشاط الاقتصادي. وأخيراً «يتوقع أن ينخفض إجمالي الإيرادات الحكومية بنسبة 9.16% وأن ترتفع احتياجات التمويل بنسبة 30%».
آثار الحرب على المدى الطويل
لا يقتصر الضرر اللاحق بالاقتصاد على المدى الفوري والقصير، فللحرب نتائج ستظهر على المدى الطويل يتحدث عنها التقرير بإسهاب أيضاً. «حتى لو انتهت الحرب في عام 2024، ستستمر عواقب تصعيد الأعمال العدائية في لبنان لسنوات. ومن دون دعم دولي كبير، تظل التوقعات الاقتصادية للبنان قاتمة». إذ تشير التقديرات إلى أنه «يقدّر أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.28% في 2025، و2.43% في 2026، ما يشير إلى تباطؤ اقتصادي طويل الأمد». وفي هذه الحال، سترتفع البطالة بمقدار 1.3% في 2025، و1.4% في 2026، وسينخفض الاستهلاك الخاص بنسبة 3.6% في 2025، و2.8% في 2026 مع استمرار الأسر في تجربة انخفاض المداخيل وتزايد عدم اليقين الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، يُقدّر التقرير أن ينخفض إجمالي الاستثمار بشكل حاد بنسبة 6.3% في 2025 و2026، مع مواجهة الاستثمار الخاص انخفاضات مماثلة بنسبة 6.6% في 2025 و6.7% في 2026، ما يعكس انخفاض ثقة المستثمرين. وأخيراً ستنخفض الصادرات بنسبة 1.25% في 2025 و1.39% في 2026، في حين قد تنخفض الواردات بنسبة 3.07% في 2025 و2.74% في 2026، مع تباطؤ النشاط الاقتصادي واستمرار اضطراب التجارة.
20%
انكماش النشاط التجاري المتوقع في نهاية عام 2024 وذلك بسبب إغلاق الحدود اللبنانية السورية
10%
انكماش في قطاعي النقل والاتصالات بسبب انخفاض النشاط في مطار بيروت الدولي