رياض سلامة لا يُريد أن يردّ أموال المودعين بالدولار «الحقيقي». فالبيان الذي أصدره مصرف لبنان أمس، وفيه أنّه «يُفاوض المصارف اللبنانية بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019، وكما أصبحت في 31 آذار 2021، وذلك بالعملات كافة»، عبارة عن رشوة يُحاول سلامة تقديمها إلى بعض المودعين، وضغوط يُمارسها على السلطتين القضائية والسياسية.
اختار – على عادته – إظهار نفسه كـ«مُنقذٍ»، وفتح جبهات فرعية تُبعد الخطر عنه، فقال إنّه يعمل «على إطلاق مبادرة تهدف إلى إراحة اللبنانيين ضمن القوانين والأصول التي ترعى عمل مصرف لبنان». من هذه العبارة يبدأ الغشّ في بيان سلامة، الذي ذكر أيضاً أنّ الإجراءات الجديدة تأتي بعد «نجاح التعميم 154 (زيادة رساميل المصارف وتكوين نسبة 3% من الودائع في حساباتها الخارجية لدى مصارف المراسلة) والتزام المصارف بمندرجاته». جمعية المصارف زعمت في مجلس النواب بأنّها لم تؤمّن أكثر من 300 مليون دولار من أصل أكثر من 3 مليارات دولار كان يُفترض تأمينها. ولجنة الرقابة على المصارف تُرسل العديد من الإنذارات إلى مصارف عن عدم التزامها بالـ154. ربما فات سلامة هذان التفصيلان.
البيان تكفّل بوأد «المبادرة الإنقاذية» قبل أن تصدر، حين ربط بين دفع الدولارات للمودعين و«شرط الحصول على التغطية القانونية». هل حصل في العالم أن أُقرّ قانون لتطبيق عملية قانونية وحقوقية، كإعادة أموال المودعين؟ هل يوجد نصّ قانوني يمنع القطاع المصرفي من ردّ الأموال؟ ولماذا يحتاج صاحب السلطة القانونية الواسعة على كلّ المؤسسات المالية إلى أن يتفاوض مع المصارف لدفع أموال المودعين؟ فإذا كان مصدر الدولارات هو حساب «التوظيفات الإلزامية» لدى مصرف لبنان – أي أموال المودعين بالدولار – فليس على الأخير سوى إيصال المبالغ إلى المصارف والطلب إليها أن تُسدّدها لأصحابها. أما إذا كانت الدولارات ستُدفع من ميزانيات المصارف، فيستطيع «المركزي» بسهولة أن يُصدر تعميماً يفرض فيه القرار على المصارف.
من المستغرب أن يطلب مصرف لبنان تزويده بأرقامٍ تُرسل دورياً من المصارف إلى لجنة الرقابة على المصارف، وبالتالي يُمكن بـ«كبسة زرّ» الاطلاع عليها. فما كان الهدف من نشر الخبرية؟ الجواب في بيان أمس، حين تبيّن أنّ سلامة نقل اللعبة بينه وبين السلطة السياسية من الدوائر المُغلقة إلى العَلن، في محاولةٍ لـ«الدفاع» عن نفسه مع تنفيذه قرار رفع الدعم عن استيراد سلعٍ رئيسية، من دون أن ينتظر انتهاء الحكومة من وضع «خطّة ترشيد الدعم» وإصدار البطاقة التمويلية للأسر.
أما حالياً، فيتحدّث سلامة عن «دفع مبالغ تصل إلى 25 ألف دولار أميركي، وبالدولار أو أي عملة أجنبية، إضافةً إلى ما يُساويها بالليرة. وسيتم تقسيط هذه المبالغ على فترة زمنية يُحدّدها مصرف لبنان قريباً». هي استنسابية في إصدار القرارات ودفع نسبة من دولارات المودعين، الذين «يشتري» سلامة «سكوتهم»، بوعد لم (وربما لن) يدخل حيّز التنفيذ، في مقابل رفع الدعم. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ مشروع سلامة يقوم على أنّ يُحوّل إلى حسابات المودعين الشخصية مبالغ تصل بحدّها الأقصى إلى 25 ألف دولار تُقسّط على ثلاث سنوات، وتُسحب بالعملات الأجنبية. وإضافة إليها ستُحوّل إلى حساباتهم 25 ألف دولار (كحدّ أقصى) أخرى تُسحب وفق سعر منصّة «صيرفة» التي ينوي إطلاقها وحُدّد سعر الصرف عبرها بـ10 آلاف ليرة للدولار. يصف مصرفيون المبادرة بأنّها «أقرب إلى المستحيل». ويرى بعضهم أن سلامة يريد من هذا التقسيط تخفيف عدد العائلات التي ستطلب الحصول على البطاقة التمويلية في حال إقرارها بدلاً من «الدعم» القائم حالياً.
هذه المنصّة التي يؤجّل موعد إطلاقها منذ أكثر من شهر، كانت حاضرة في البيان، مع إشارة سلامة إلى أنّ دخولها حيّز التنفيذ سيتم «فور الحصول على إجابة وزير المالية كما ينصّ القانون». النقطة الأخيرة في البيان تتعلّق بالدعم، بأنّه مُستمر بدعم المواد الأولية وصرف الاعتمادات الموافق عليها.