علماً أن أعلى رقم لتكاليف المعيشة كان قد سُجِّل في شهر مارس/آذار من عام 2017 وبلغ 317 ألف ليرة، ثمّ أخذ بعده بالانخفاض ليصل إلى 300 ألف ليرة مع بداية 2018، ليعاود الارتفاع خلال العام الماضي بشكل مستقرّ، ثمّ ارتفع بمستويات متسارعة خلال النصف الأول من العام الحالي.
ويلفت إلى أنه “حين نتحدث عن الرواتب والأجور، فنحن نتكلم عن شريحة الموظفين فقط، فمعظم السوريين بلا عمل يعتاشون على التحويلات الخارجية من ذويهم أو ما تبقى من العمل الزراعي”. ويلفت الاقتصادي السوري إلى أن النصف الأول من العام الحالي، شهد ضغوطاً إضافية على معيشة السوريين، تجلت في تراجع سعر صرف الليرة وأزمة المحروقات وارتفاع سعر الغاز والمازوت، ما انعكس ارتفاعاً في معظم أسعار السلع والخدمات.
وأفاد المؤشر الذي أجراه مركز “قاسيون” ومركزه دمشق، الأسبوع الماضي، إلى ارتفاع تكاليف الغذاء الضروري المحدد على أساس استهلاك 2400 وحدة حرارية يومياً لكل فرد، مع تكاليف المشروبات والمواد الأخرى الضرورية، بمقدار 2500 ليرة في مارس/آذار بالمقارنة بشهر إبريل/نيسان 2019.
وجاءت هذه الزيادة نتيجة ارتفاع أسعار المواد المستوردة والمصنعة، التي طاولتها ارتفاعات راوحت ما بين 10 و12 في المائة.
كما ارتفعت تكاليف النقل بنسبة 8 في المائة تقريباً، مع ارتفاع أسعار البنزين، وطرأ ارتفاع على تكاليف الأثاث المنزلي، وتحديداً على أسعار الكهربائيات التي ارتفعت بنسبة 9 و10 في المائة تقريباً، مع ارتفاع الدولار. وكذلك ارتفعت تكاليف المواد المصنعة من أدوات التنظيف وأدوات المطبخ التي تشكل مكونات التكلفة الشهرية للأثاث المنزلي.
ويؤكد المهندس الزراعي يحيى تناري، خلال حديثه مع “العربي الجديد”، أن المواسم الزراعية لهذا العام، وبسبب وفرة الأمطار، هي الأفضل ربما منذ عشرين سنة، وذلك على مستوى القمح الذي يزيد عن 2.5 مليون طن والشعير الذي بدأ نظام الأسد بتصديره هذا العام، بعد انقطاع لعشر سنوات.
ويلفت إلى أنه على صعيد الزراعات الصيفية من خضر وفواكه، توجد وفرة في الإنتاج، إلا أن فوائد هذا النمو وفق تناري لا تنعكس على المزارع، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، في حين لم يلمس المستهلك انخفاضاً بالأسعار سوى على سلع زراعية محدودة.
وحول أسباب عدم تراجع الأسعار، يشير المهندس تناري من ريف إدلب المحرر، إلى وجود أسباب كثيرة، منها ارتفاع تكاليف الزراعة، من مشتقات النفط والبذور والأسمدة وأجور العمال، فضلاً عن تلاعب التجار بكمية العرض والطلب واحتكار الفائض من الإنتاج. ويخلص تناري إلى أن موسم الوفرة لهذا العام لم ينعكس بشكل إيجابي على الفلاحين أو المستهلكين، بل المستفيدة من كل ذلك كانت مجموعة من التجار والسماسرة، الذين حصدوا وحدهم نتاج هذا الموسم عبر المزيد من جني الأرباح وسط غياب الرقابة والمحاسبة.
وتتفاوت النظرة لمستوى الأسعار في دمشق، إذ يراها مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، علي الخطيب، أنها منخفضة. ويؤكد خلال تصريحات صحافية تراجع أسعار الخضار والفواكه بنسبة كبيرة في كل الأسواق نتيجة زيادة الإنتاج الزراعي والظروف المناخية التي سادت خلال فترة الزراعة، وأن تراجع أسعار الفواكه مقارنة بالموسم الماضي جاء بنسبة 50 في المائة في بعض الأصناف كالكرز والبطيخ فيما شهدت أسعار الخضراوات ولا سيما البندورة والبطاطا والخيار والكوسا والباذنجان تراجعاً كبيراً نتيجة زيادة المعروض وعودة مناطق مهمة للإنتاج كالغوطة ودرعا.
في المقابل، يؤكد إعلامي اقتصادي سوري طلب عدم ذكر اسمه، مواصلة ارتفاع الأسعار وضغطها على معيشة المواطن وسط عجز حكومي واضح تجاه معالجة هذه المسألة. ويضيف الإعلامي من دمشق: “يوجد انفلات في الأسواق وسلع مغشوشة، في حين أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بعيدة عن واقع السوق وحيثياتها، بل وتركت الساحة خالية للتّجار للتحكّم بمعيشة المستهلك.
ويؤكد تاجر سوري من دمشق أن العلة الأساسية مرتبطة بتدني الأجور، “إذ يجب زيادة الرواتب بما لا يقل عن 100 في المائة كحدّ أدنى، وإلا فلا داعي لأي تصحيح للأجور، كونها ستتآكل فوراً نتيجة ارتفاع التضخم”.
ويؤكد التاجر السوري لـ”العربي الجديد” أن المواطن يعيش هذه الأيام حالة من اليأس الشديد تجاه الوضع الاقتصادي المتردي، الذي فاق التوقعات، خاصة في ظل الخيبة المسيطرة لجهة ما وعدت به الحكومة من تفعيل الإنتاج وانعكاس ذلك على الواقع الاقتصادي ككل.