لطالما ادعى حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة و»الشلة» المتحالفة معه والمصرفيون ان اندلاع الازمة المالية والمصرفية أتى بعد القرار الذي اتخذته حكومة الرئيس حسان دياب في آذار 2020 بالتخلّف عن سداد مستحقات سندات اليوروبوندز. وبالتالي فان التسريب الصوتي للواء عباس ابراهيم قبل ايام (غير معروف تاريخه) حول توسّل سلامة له لاقناع الحكومة بالرجوع عن قرار اعلان التخلّف عن السداد، ليس مفاجئا. بل المفاجئ هو ثقة سلامة واقتناعه بانه كان من الممكن تفادي الازمة لو تم السماح له بتسديد 600 مليون دولار من احتياطي البنك المركزي لسداد الفوائد آنذاك (كما جاء في التسريب)، واعطائه مهلة 6 أشهر الى سنة لاعادة جدولة الدين والتفاوض مع الدائنين. يبدو ان ثقته بنفسه وبهندساته في تلك الفترة كانت قويّة لدرجة انه كان مقتنعاً بانه يمكنه مواصلة «لفلفلة» الخسائر والفضائح المالية في البنك المركزي حتى إشعار آخر، وتأجيل اندلاع الازمة وانهيار القطاع المصرفي ربما لبعد خروجه من مصرف لبنان لتنفجر في عهد خلفه. كما ان المفاجئ هو محاولة عباس ابراهيم تبرئة سلامة؟!
لم يعد خافياً على أحد ان قرار التخلّف عن السداد لم يكن السبّب الرئيس للازمة، لان اسبابها باتت معروفة ومعلنة وتعود لسنوات طويلة من الاخفاقات المصرفية والمالية والهندسات والصفقات التي أفقدت البنك المركزي ملاءته وجرّت المصارف جراً للتعاون معه طمعاً بالارباح على حساب المودعين، واكبر دليل على ذلك تقرير صندوق النقد الدولي في العام 2016 الذي حذر فيه من الكارثة التي حلت بلبنان بعد 3 سنوات من تاريخه، والذي حذف منه سلامة 14 صفحة. ولكن ما علاقة اللواء ابراهيم بسلامة؟ وما الهدف من هذا التسريب الصوتي في هذا التوقيت؟
هذه بعض الحقائق المثبتة التي يتجاهلها حماة سلامة وأصدقائه
تتعين الاشارة الى جملة معطيات سبقت اعلان تعليق السداد في آذار 2020:
أولاً: بعد اندلاع الثورة اكتشف المودعون ان اموالهم غير متاح سحبها كما يريدون وذلك في تشرين الثاني 2019. وهذه اولى الاشارات الواضحة للتخلف عن السداد.
ثانياً: كان سعر صرف الدولار بدأ يصعد وتنحدر الليرة امامه منذ ايلول 2019، وفي آذار 2020 كانت الليرة فقدت اكثر من 40% من قيمتها وذلك قبل تعليق السداد.
ثالثاً: كانت مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية بدأت منذ 2019 تنشر تقارير عن التعثر المحتمل اي الوصول الى الحائط المسدود الذي يفرض تعليق السداد.
رابعاً: يركز كثيرون على مسألة الدعم وهدر المليارات، ويتجاهلون عمداً ان سلامة نفسه اعلن بداية تشرين الاول 2019 وفي تعميم رسمي وواضح ان ما بقي من دولارات في مصرف لبنان سيخصص لشراء الاساسيات مثل القمح والمحروقات والادوية. اي ان التجار كانوا بدأوا أخد دولارت من مصرف لبنان على سعر 1500 قبل وصول حكومة حسان دياب، ولا يعني ذلك تبرئة دياب من حماقة الدعم وجرائمه والتي كان سلامة بدأها حتى قبل اندلاع الثورة.
خامساً: المدافعون عن سلامة والذين يركزون على مسألة الدعم يغفلون عمداً ايضا ذكر ان سلامة اعطى المصارف اكثر من 7 مليارات دولار قبل مجيء حكومة حسان دياب (ردوها باللولار!). وبالتالي فان الحديث عن ان الاحتياطي كان اكثر من 30 مليار دولار هو خاطئ ومضلل.
سادساً: اذا كان لا بد من العودة الى السنوات التي سبقت 2019، يجدر التذكير بان المستثمرين الدوليين توقفوا عن الاكتتاب بسندات اليوروبوندز اللبنانية منذ 2017، اي ان كلام سلامة كما جاء في تسريب ابراهيم مجاف لحقيقة اسواق المال. اما اذا كان المقصود شراء الوقت وتمديد الآجال فيجدر التنويه ايضاً الى ان مصارف لبنانية كانت بدأت بيع سندات اليوروبوندز منذ تشرين الثاني 2019، فعن اي جدولة يتحدث ابراهيم نقلا عن سلامة؟؟
سابعاً: وصف الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش ما قام به سلامة بانه مخطط احتيالي (بونزي سكيم). وكما مخطط مادوف المحتال العالمي الشهير، الذي طال عقوداً ونهايته كانت فضيحة حتمية، وصل ما قام به سلامة الى نهايته في 2019-2020.
ثامناً: يذكر ايضا ان سيولة المصارف المتعلقة بالودائع كانت عشية اندلاع الازمة 7% فقط. فمعظم الودائع لم تكن متاحة لديها او في المصارف المراسلة بل مودجودة دفترياً وبجزء كبير منها في مصرف لبنان، اي غير موجودة فعليا كما اتضح لاحقاً.
تاسعا: ما سبق ملاحظات من حيث المضمون، اما من حيث الشكل فثمة سؤال يطرح نفسه: ما علاقة عباس ابراهيم بعالم المال؟ ولماذا كلفة سلامة بالوساطة. هذا التسريب يدل على الطريق العشوائية التي تدار بها البلد، وكيف تعمل المنظومة من خارج الاصول.
عاشراً: من حيث الشكل ايضا ألمح ابراهيم الى مستفيدين من تعليق الدفع. كان حري برجل الامن الافصاح اكثر وعدم ترك هذا الامر الخطير نهباً للاشاعات. فرياض سلامة نفسه المح اكثر من مرة الى متربحين من تعليق الدفع لكنه كان اعجز من ان يأتي بدليل واحد رغم انه اكد فتح تحقيق بذلك. ولو وصل الى اي معلومة كان نشرها على صنوبر بيروت… لكنه فشل. وبقي عباس ابراهيم يروج الى متربحين اشباح لا نعرف عنهم شيئا.
حاصباني: كان من المفترض بدء المفاوضات مع الدائنين قبل اعلان التخلّف عن السداد
في هذا الاطار، علّق نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني على التسريب الصوتي للواء عباس ابراهيم بالقول انه ليس معلوماً إذا كان هذا التسجيل حديثا ام قديماً وسُرّب اليوم، معتبراً انه بغض النظر عما إذا كان التسجيل محاولة لتبرير رياض سلامة والتأكيد على انه لم يكن يؤيد قرار التخلّف عن السداد بل آخرين، فانه يسلّط الضوء على ان بعض الاطراف كانت مؤيدة لقرار التخلّف واستفادت حتماً منه.
وشدد حاصباني على ان تأييد سلامة بعدم صوابية قرار التخلّف عن السداد، الذي يعتبره خطأ تقنياً جسيماً، لا يعني غضّ النظر عن الاخفاقات السابقة لمرحلة الانهيار والمتمثلة بالهندسات المالية وتزوير الارباح والخسائر والارقام بين وزارة المال ومصرف لبنان، وانفاق 47 مليار دولار لتمويل الدولة من دون حسيب او رقيب او سقف محدّد. ورأى ان اعلان التخلّف أثار ازمة أكبر حيث كان من المفترض بدء المفاوضات مع الدائنين قبل اعلان التخلّف عن السداد، وهو الامر الذي لم يحصل والذي ادى الى استحقاق كامل قيمة سندات اليوروبوندز، بالاضافة الى فقدان الثقة بالكامل في القطاع المالي والمصرفي اللبناني، لافتاً الى ان احتياطي مصرف لبنان كان يسمح آنذاك بوضع خطة تعاف. كما اشار الى خطأ آخر تمثل بالتعاطي السيئ جدّا مع الازمة بعد اندلاعها بغياب اي اتفاق على خطة للتعافي واضحة وفي ظل سياسة دعم استمرّت لغاية نفاد الاحتياطيات.
واعتبر حاصباني انه كان من الممكن اجراء مفاوضات مع الدائنين على اعادة جدولة السندات من دون اعلان التخلّف والحفاظ بالتالي على اموال الاحتياطي ووقف الدعم من اليوم الاول الى حين الاتفاق على خطة تعافٍ.
ضاهر: توقفت المصارف عن تسديد أموال المودعين قبل إعلان قرار التخلّف
من جهته، وضع النائب ميشال ضاهر تسريب التسجيل الصوتي في خانة النكد السياسي على جهة معيّنة وغير مرتبط بالوضع النقدي او بتبرئة سلامة، معتبراً ان لبنان كان متخلّفاً تقنياً عن السداد منذ تشرين الثاني 2019 عندما توقفت المصارف عن تسديد اموال المودعين والتحويل الى الخارج، اي قبل اعلان قرار التخلّف عن سداد فوائد اليوروبوندز في آذار 2020. وبالتالي، مع توقف المصارف عن السداد ارتفع العائد على سندات اليوروبوندز 100 في المئة قبل اعلان التخلّف! معتبراً ان تسديد فوائد اليوروبوندز لو حصل في وقتها، كان سيتطلب لاحقاً التفاوض مع الدائنين لاعادة جدولة الدين، لكن الدائنين ما كانوا ليوافقوا على اي خطة لسداد أقلّ من 60% من حجم الدين.
واوضح ضاهر ان حاملي سندات اليوروبوندز لن يقبلوا حالياً باقتطاع دولار واحد زيادة عن نسبة الاقتطاع التي ستطال المودعين، ففي حال التفاوض مع حاملي السندات على اقتطاع نسبة 60 في المئة سيكون على الحكومة ابلاغ المودعين باقتطاع مماثل!
حمود: سلامة قام بتغطية واضحة وصريحة لفكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري
بدوره، لم يعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود ان تسريب التسجيل الصوتي مرتبط بموضوع تبرئة سلامة او عدمها، مشيراً الى وجود وجهتي نظر في ما يتعلّق برياض سلامة، واللتين تؤيدانه او لا تؤيّدانه في ما يتعلّق بالسياسة النقدية التي اتّبعها والتي هي عبارة عن قرار اداري ووجهة نظر الحاكم. ولفت الى ان سلامة قام بهندسات مالية واتبع سياسة نقدية لتثبيت سعر الصرف واستخدم الاعلام ووسائل التواصل لبعث الثقة والاستقرار في الوضع المالي والمصرفي في اطار صلاحية وادارة مصرف لبنان وفقا للقانون الذي لا يمكنه محاسبته على السياسة النقدية المتّبعة، بل يحق لمن يشاء انتقاده عليها وعدم تأييدها واعتبارها خطأ، علماً انها سياسة متّبعة منذ ما قبل توليه الحاكمية.
ولفت حمود الى ان سلامة لدى تولّيه الحاكمية، قام بتغطية واضحة وصريحة لفكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي بلوره سلامة وبنى عليه سياسته النقدية. وبالتالي هناك من يؤيّد تلك السياسة النقدية، رغم ان ذلك لا يعني بالضرورة تبرئة سلامة او الاستفادة منه، وهناك من ينتقدها ويعارضها. و اعتبر حمود ان عباس ابراهيم لا يعي تحديداً ما قام به سلامة بالنسبة لـ»فوري» وكيف تم تحويل الاموال والى اين. وبالتالي، سيكون على القضاء التحقيق بتلك القضية وادانته او تبرئته في ما يتعلّق باستفادته الشخصية، لان محاسبته او تبرئته على سياسته النقدية أمر غير متاح.
وشدد حمود على ان تدهور الوضع في لبنان سببه الازمة السورية في الدرجة الاولى، والنكد السياسي والفراغ السياسي بدءاً بغياب رئيس للجمهورية لمدة عامين ونصف العام يليها فشل عملية «سيدر» واستقالة الرئيس سعد الحريري من السعودية. اضاف: وما قصم ظهر البعير هو قرار التخلّف عن السداد!