فوجئت الأوساط السياسية والشعبية عندما انعقد مجلس الدفاع الأعلى نهار الاثنين 15 أبريل 2019 في قصر بعبدا، وبرئاسة العماد ميشال عون رئيس الجمهورية، وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري والوزراء المختصين، إضافة الى رؤساء الوحدات العسكرية والأمنية، ذلك أن اجتماع المجلس لا يحصل إلا عندما يكون هناك تهديدات جوهرية للاستقرار، او لمواجهة أخطار أمنية، او غير أمنية تتعرض لها البلاد.
لم يعرف كثيرون سبب الدعوة الى هذا الاجتماع، إلا بعد انعقاده، ومن ثم صدور بيان عنه. فرئيس الجمهورية الذي دعا الى الاجتماع العاجل لمجلس الدفاع، قال إن الموجبات هذه المرة ليست فقط لوضع خطة أمنية قبل عيد الفصح، بل لمواجهة أخطار اقتصادية ومالية تهدد الدولة برمتها، لأن مستوى التهريب الذي يجري عبر الحدود بين لبنان وسورية، والذي يشمل البضائع والأفراد، فاق كل التوقعات، ولم يعد مقبولا، ويجب وضع حد له. ولم يخف البيان الصادر عن الاجتماع هذه المعطيات، بل أكدها، رغم أن مقررات المجلس ومداولاته، عادة ما تكون سرية.
المعلومات المتداولة والتي نشرت في عدة وسائل إعلامية، تشير الى عبور ما بين 8000 الى 10000 شخص شهريا للحدود بين البلدين بطريق غير شرعية، ومن هؤلاء عدد من العمال الذين ينافسون اليد العاملة اللبنانية في مهن حصرية، وفيهم عدد من المرتكبين الهاربين من وجه العدالة اللبنانية، كما أن عددا كبيرا منهم لا يستطيعون الدخول من خلال المعابر الشرعية لأنهم مطلوبون للخدمة. والمهم في الأمر أن المعلومات تؤكد أن كلا من هؤلاء يدفع ما بين 300 و1500 دولار أميركي مقابل تسهيل مروره، لقوى نظامية يفترض فيها أن تسهر على حماية الحدود، وذكر أحد المواقع الالكترونية أسماء الجهات التي تقبض على تسهيل هذا العبور.
أما الجانب الآخر من المسألة، والذي يحمل خطورة كبيرة، فهو المعلومات المؤكدة عن حرمان خزينة الدولة اللبنانية التي تعاني من عجز مخيف، من حوالي 600 مليون دولار، او ما يوازي 900 مليار ليرة لبنانية من العائدات الجمركية بسبب التهريب. رغم أن مدير عام الجمارك بدري ظاهر الذي اعترف بوجود تهريب، أعلن أن العائدات الجمركية زادت في العام 2018 بمبلغ 200 مليار ليرة، أي ما نسبته 6% من مجموع العائدات الجمركية الفعلية، والمقدرة بـ 3300 مليار ليرة لبنانية. وهذا يعني أن قيمة التهرب الجمركي قبل العام 2018 كانت أكثر من المبلغ الذي أعلن عنه حاليا، والمقدر بـ 900 مليار ليرة.
والأخطر من كل ذلك، أن المواد المهربة من سورية، تؤذي القطاعات الإنتاجية اللبنانية في الصميم، لاسيما منها: الدجاج والبيض واللحوم والسكاكر والفواكه والخضار والدخان والملبوسات، وبعض انواع الصناعات الكهربائية الخفيفة، مما أدى الى كساد كبير في القطاعات الزراعية والصناعية المشابهة في لبنان، لأن كلفة الإنتاج مختلفة تماما بين البلدين. وما يشكل خطورة أكثر فأكثر في هذا السياق، هو المعلومات التي تم تسريبها في بعض وسائل الإعلام، والتي تؤكد حصول تلاعب كبير في عمليات الترانزيت التي تحصل من مينائي بيروت وطرابلس، والتي تنقل بموجبها مواد أساسية على أنها ذاهبة الى سورية، فتدخل الأراضي السورية، ثم تعود تهريبا الى لبنان. وهناك شاحنات كبيرة تنقل الحديد ومواد أخرى تدخل من ميناء طرطوس السوري الى لبنان من دون المرور عبر المعابر الشرعية الثلاثة.. كل ذلك يحصل ولبنان يمر بأخطر أزمة مالية واقتصادية عرفها في تاريخه.