اعتبر كثيرون أن الحديث عن أزمات تعتري سلاسل الإمداد والتوريد العالمية جراء الإغلاقات لمواجهة انتشار فيروس كورونا من قبيل المبالغات التي يجب التشكك كثيراً في حدوثها، ودعم هذا الاتجاه بشدة وفرة المخزونات العالمية من معظم السلع الاستراتيجية الزراعية والصناعية، ثم العودة التدريجية للأنشطة التجارية والاعتماد المتزايد على التجارة الإلكترونية والتي ساهمت في وفرة الإمدادات إلى حد كبير.
لكن بمرور الوقت ظهرت بعض الأزمات التي ربما ترجح صحة هذا التحليل وانطباقه على بعض القطاعات، حيث تتوالى ارتفاعات أسعار الغذاء، علاوة على حرب الشاحنات، والتي تسببت في تضاعف أسعار الشحن أكثر من مرة خلال الفترة الماضية وتأخير وصول البضائع، بل وتكدسها لدى المنتجين، وكذلك في الارتفاعات القياسية لأسعار السيارات المستعملة والجديدة في الدول الرئيسية المنتجة للسيارات، بداية بسبب توقف الإنتاج، وحالياً بسبب أزمة الرقائق الإلكترونية.
ونقلت وكالة بلومبيرغ عن جوردان وو، مدير مصنع هيماكس للرقائق، قوله إن الجائحة أدت إلى طلب قوي لدرجة أن شركاء التصنيع لا يستطيعون صنع ما يكفي من رقائق مشغل العرض لجميع اللوحات، وأن المصنعين لن يقدموا على بناء المزيد من خطوط التصنيع لأن ذلك سيكون غير ذي جدوى من الناحية الاقتصادية.
كما نقلت عن كوه دونغ جين؛ الرئيس التنفيذي المشارك لشركة سامسونغ، القول إن الشركة، وهي واحدة من أكبر منتجي الرقائق والأجهزة الإلكترونية في العالم، تتوقع حدوث أزمة لأعمالها خلال الربع الثاني من العام الحالي بسبب نقص إمدادات الرقائق، كما تدرس الشركة تأجيل طرح جيل جديد من هاتفها الذكي “غالاكسي نوت” أحد أكثر هواتفها مبيعاً، خلال العام الحالي.
ويعزو الخبراء تلك الأزمة إلى سوء تقدير من المصنعين الذين توقعوا انخفاض الطلب بسبب الإغلاق الناتج عن فيروس كورونا، ولكنه على العكس من هذه التوقعات تزايد الطلب بصورة كبيرة بعد امتداد الإغلاق لفترات طويلة، والبقاء في المنازل وانتشار العمل عن بعد، الذي استلزم شراء أجهزة الكمبيوتر المحمولة والألواح الإلكترونية، علاوة على أجهزة الألعاب الإلكترونية (البلاي ستيشن)، إضافة إلى تعمد شركة هواوي الصينية العملاقة للتكنولوجيا تخزين أشباه الموصلات العام الماضي، في ظل الحرب التجارية المتفاقمة بين الصين والولايات المتحدة، مما زاد الضغط على الكمية المعروضة.
ووصلت الأزمة لحدود غير متصورة، إذ أعلنت العديد من مصانع السيارات حول العالم توقفها عن الإنتاج لبعض الوقت. وتوقع خبراء صناعة السيارات في العالم تعاظم خسائر القطاع للعام الثاني على التوالي، والتي من المقدر أن تبلغ ما يقارب 60 مليار دولار العام الحالي، بخلاف 100 مليار تكبدها القطاع العام الماضي بسبب تداعيات فيروس كورونا.
ولن يتوقف أمر ارتفاع الأسعار المتوقع على أسعار السيارات الجديدة التي من المتوقع أن ترتفع أسعارها بنسب تتراوح من 10-15%، وإنما سيمتد كذلك إلى ارتفاع أسعار السيارات المستعملة التي ارتفعت أسعارها بالفعل أثناء الإغلاق الأول في أزمة كورنا، ومؤخراً أعلن رئيس اتحاد تجار السيارات في تركيا نيازي بيركتاش أن أزمة الرقائق أضيفت أيضاً إلى المشاكل العالمية في قطاع السيارات بسبب الوباء، والذي من شأنه أن يرفع أسعار السيارات المستعملة.