خرجت أزمة الدولار عن السيطرة على رغم تطمينات حاكم مصرف لبنان المتواصلة، وعلى رغم التعميم الخاص الذي أصدره لتنظيم استيراد المحروقات والقمح والأدوية، فالأزمة فُتحت على مصراعيها بعد إعلان قطاع المحروقات الاضراب المفتوح، وإعلان أصحاب الافران الاضراب بعد غد، وتأكيد حاكم مصرف لبنان أنه لن يَطرأ أيّ تغيير على آليّة التعميم الذي صَدر.
حتى الآن ينحصر الاضراب في قطاعين أساسيين، هما المحروقات والقمح. لكنّ كل المؤشرات تدلّ الى أنّ الأزمة تسير نحو مزيد من التعقيد، وستظهر الايام المقبلة انّ كل القطاعات تعاني أزمة الدولار. وهناك قلق من فقدان أنواع من الأدوية من الاسواق وبعض المواد الغذائية الاساسية، كما من المتوقّع أن تعلو صرخة الصناعيين لحاجتهم الى المواد الأولية الضرورية لاستمرارية التصنيع اللبناني. الأزمة تَتفلّت شيئاً فشيئاً، ليتظَهّر انّ الأزمة الحقيقية تَكمنُ في انّ سعر الدولار تَغيّر واقعياً، ولو انه ثابِت على المستوى الرسمي، والخطوة الآتية تكمنُ في كيفية تأقلم السوق مع هذا الوضع، لكنّ المؤكد انّ الزيادة في الأسعار ستلحق كل القطاعات، وانّ السعر الرديف للدولار سيكون هو المعتمَد في كل التسعيرات المقبلة، مع ما يعني ذلك من ارتفاع في اسعار السلع مقابل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
أزمة المحروقات
تفاجَأ أمس المواطنون بإعلان أصحاب محطات المحروقات ظهراً الاضراب المفتوح، فرفعوا خراطيم المحطات، مُعلنين الاقفال القسري عن بيع المحروقات. على الأثر، اصطَفّت طوابير السيارات امام بعض محطات المحروقات، التي أمهلت المواطنين بعض الوقت لتعبئة سياراتهم قبل الاقفال التام.
جاء قرار أصحاب المحروقات إثر اجتماع طارئ عقدته النقابة نتيجة إعلان تَجمّع الشركات المستوردة للنفط أمس، عدم تسليم المحروقات في السوق المحلي الّا بالدولار الاميركي، فقررت محطات المحروقات الاضراب المفتوح.
في هذا السياق، أوضحت النائب السابق لرئيس تجمّع شركات مستوردي النفط، دانيا نكد، لـ«الجمهورية» انّ استحالة تنفيذ التعميم، الصادر عن مصرف لبنان، كان وراء القرار بالتوَقّف عن تسليم المحروقات الى السوق، إضافة الى الاخلال بالاتفاق الذي رَعاه الحريري بين المصارف وأصحاب الشركات المستوردة للنفط، والذي يقوم على تأمين الدولارات بالسعر الرسمي للمستوردين ثَمن فواتير المحروقات التي اشتراها أصحاب الشركات المستوردة للنفط قبل صدور التعميم.
أضافت: التعميم الذي صدر عن مصرف لبنان كان على أساس ان يقوم، عن طريق المصارف، بفتح اعتمادات الى الشركات المستوردة، شرط ان تقوم الشركات المستوردة بوضع إيداعات بنسبة معينة في المصارف، لكن بطلب من مصرف لبنان أن يكون الايداع بنسبة 100 في المئة بالليرة اللبنانية و15 في المئة بالدولار. تَعذّر على الشركات، التي ليس بمقدورها ان تؤمّن هذا المبلغ، التنفيذ، لذا طلبت من أصحاب المحطات والموزّعين إمّا تأمين مبلغ المشتريات نقداً بالدولار وإمّا نقداً بالليرة اللبنانية. منطقيّاً، لا أحد يملك مبلغ شراء المحروقات نقداً ليدفع ثمنه يومياً بشكل كامل، ونحن هنا نتحدث عن مليارات الدولارات، فالمحطات تقبض أحياناً ثمن سعر المحروقات ببطاقات الائتمان لتحصّلها لاحقاً، أو تتعاقد مع بعض الشركات او المؤسسات، مثل المستشفيات او المعاهد او الجامعات التي تدفع لها شهريّاً ثمن المحروقات، كما تعطي تسهيلات لأصحاب المولدات والافران والمصانع وتُمهلهم بالدفع. لذا، يستحيل دفع المبالغ هذه بشكل يومي ونقداً، ما يعني انّ الآليّة الموضوعة في تعميم المركزي غير قابلة للتنفيذ. في حين انه كان أمام أصحاب الشركات المستوردة للنفط في السابق مهلة 35 يوماً، على أقل تقدير، لدفع مستحقاتها.
وعن الحل، قالت نكد: الوضع صعب، وعلى رغم كل ما يحصل لا يزال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يُطمئن ان لا أزمة دولار. وبالتالي، لا شك انّ هناك من يُمثّل علينا.
ورداً على قول سلامة انه لن يحصل اي تغيير في الآلية المعتمدة في التعميم، قالت: الشركات المستوردة للنفط توقفت عن تسليم المخزون، الذي اذا ما أرادت إفراغه، فإنه يكفي البلاد لمدة 15 يوماً. وأكدت انّ هناك بعض المحطات أنهَت مخزونها من المحروقات، والبعض الآخر يحتفظ بحاجته الشخصية تلبية لطلب بعض زبائنه، مثل المستشفيات، اصحاب المولدات، المدارس والجامعات… تابعت: انّ أي طلب استيراد محروقات يتطلّب ما بين فتح اعتماد ووصول الباخرة الى لبنان نحو 15 يوماً، هذه الأزمة بدأت فعليّاً أمس بإقفال المحطات والتوقف عن الاستيراد.
وإذا بقي الوضع على ما هو عليه ما بين 3 الى 4 ايام، يمكن بعدها استِلحاق الوضع وتأمين حاجة السوق بسرعة، اما اذا امتدت المصيبة اكثر من ذلك، فلا شك انه سيحصل تأخير في تأمين احتياجات السوق من الاستيراد.
ولاحقاً، عقد أصحاب المحطات جمعية عمومية، أصدروا بعدها البيان التالي:
«لمّا كانت الدولة تحدّد سعر مبيع المحروقات للمستهلك من خلال جدول تركيب للأسعار يصدر عن وزارة الطاقة والمياه اسبوعياً، وتُحدّد من ضمنه جعالة ثابتة لاصحاب المحطات عن كل صفيحة بنزين ومازوت،
ولمّا كانت الدولة تفرض على المحطات بيع المحروقات للمستهلك بالليرة اللبنانية،
ولمّا كانت الدولة تسمح للشركات المستوردة للنفط ببيع المحروقات للشركات الموزعة وللمحطات بالدولار الاميركي، في التعامل التجاري بينها داخل الاسواق اللبناني.
ولمّا أصبح من المستحيل شراء الدولار الاميركي في المصارف اللبنانية بالاسعار الرسمية المحددة من قبل مصرف لبنان، مما أوجب على اصحاب المحطات التوجّه الى محلات الصيرفة حيث سادت السوق السوداء والابتزاز اليومي لهم، وتَخطّى سعر الصرف 1650 ليرة للدولار الواحد.
ولمّا كانت هذه الحال تُكبِّد أصحاب المحطات خسارة 2000 ليرة عن كل صفيحة بنزين و1600 ليرة عن كل صفيحة مازوت، الامر الذي يهدد مستقبلها ويقودها الى الافلاس السريع، ولمّا كنّا نعاني من هذا الوضع منذ أشهر، وقد توجّهنا مراراً الى جميع المسؤولين طالبين إيجاد حل جذري لهذا الموضوع وإصدار قرار بوجوب تسليمنا المحروقات بالعملة الوطنية التي يُلزموننا البيع بها ويُحددون لنا سعر مبيعها،
ولمّا كنّا قد أعطينا السلطات المعنية المهلة تلو الاخرى لإيجاد الحلول المناسبة ولتفادي اللجوء الى خيارات سلبية،
ولمّا لم يصدر بعد من قبل الجهات المختصة أي قرار رسمي لغاية الآن يُلزم الشركات المستوردة ومُنشأتي النفط في طرابلس والزهراني ببيع المحروقات في الاسواق المحلية بالليرة اللبنانية وفقاً لجدول تركيب الاسعار،
قررت نقابة أصحاب محطات المحروقات في لبنان، إعلان التوقف القسري الفوري عن بيع المحروقات، والطلب من جميع أصحاب المحطات في لبنان إقفال محطاتهم لحين صدور قرار خطّي من الجهات المختصة الرسمية بإلزامية إصدار فواتير بيع المحروقات الى أصحاب المحطات بالليرة اللبنانية، وفقاً لجدول تركيب الاسعار مع احترام جميع الجعالات فيه.
حبيقة
تعليقاً على هذه الاوضاع، أسِف الخبير الاقتصادي لويس حبيقة لِما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية، من إضرابات يُعلن عنها تباعاً، وقال لـ«الجمهورية»: انّ حاكم مصرف لبنان أقدَمَ على خطوة ايجابية بإصداره التعميم بهدف إيجاد حل للأزمة، الّا انّ الحل لم يتم تطبيقه، ما خَلق «حوار طرشان» بين القطاعات والمصارف. لذا، المطلوب اليوم ان يجمع سلامة ممثلين عن القطاعات المعنية، أي مستوردي الدواء والقمح والمحروقات بممثلين عن المصارف، في محاولة لإيجاد حل لهذه الأزمة التي تتفاقم، للأسف، فيما حلها سهل جداً. وأكد حبيقة انّ التعميم قابل للتطبيق، لكننا ندور في حلقة مفرغة بسبب عدم فهم الموضوع. لذا، من الضروري ان يجتمع مختلف الأطراف لحل الثغرة التي تعيق تنفيذ التعميم.