قبل أيام، أعلنت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان أنها ستضطر إلى اعتماد برنامج تقنين قاس، في توزيع المياه في مناطق نطاق صلاحيتها، داعية المواطنين إلى أخذ العلم والترشيد في استخدام المياه إلى حين أن ينعم الله بمزيد من الأمطار، موضحة أنه “نتيجة ضآلة المتساقطات لغاية تاريخه، انخفض منسوب مياه الينابيع بشكل كبير كما منسوب المياه داخل الآبار وأصبحت المياه في كل من سد شبروح وبحيرة بقليع شبه معدومة”.
هذا الواقع، يدفع إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام، أبرزها حول الأسباب التي دفعت المؤسسة لعدم تحذير المواطنين قبل ذلك، لكن الأهم يبقى حول كيفية تأمين “صهاريح” المياه للمواطنين، طالما أن هناك أزمة كبرى، سببها ضآلة المتساقطات، ما دفع المؤسسة المذكورة إلى وضع الحلّ عند الله، الذي على المستهلكين أن ينتظروا أن ينعم عليهم بمزيد من الأمطار، في وقت أعطت هذه المؤسسة خلال الصيف المنصرم المياه وبشكل مفتوح لمشروع العاب مائية قرب سد شبروح على مدى قرابة 7 أسابيع بين تموز وآب، في وقت عانى من يستفيد من مياه السد من المواطنين من انقطاع متواصل طيلة فترة الهدر المائي من اجل السياحة المائيّة!.
في هذا الإطار، تشدّد الخبيرة في الشؤون البيئية الدكتورة فيفي كلاّب، في حديث لـ”النشرة”، على أن المشكلة الأساس تكمن في سوء الإدارة، بالرغم من تأكيدها أن موضوع قلّة المتساقطات لا يمكن إنكاره، نظراً إلى أن الشحّ يعني تراجع كمية المياه الجوفية، بالإضافة إلى عامل آخر يتعلق بزيادة عدد سكان البلاد، بنحو مليون ونصف مليون شخص، في السنوات الماضية، ما يعني زيادة الإستهلاك.
بدوره، ينطلق رئيس جمعية الأرض لبنان بول أبي راشد، في حديث لـ”النشرة”، من فرضية وجود شحّ حقيقي للمياه في لبنان، ليسأل: “لماذا لم يتم اللجوء إلى تحذير في الأشهر الماضية”؟ بالإضافة إلى تأكيده على مسؤولية المستهلك في ترشيد الإستعمال، ليشدّد على أن الترشيد والإدارة السليمة والحدّ من الهدر كلها عوامل مساعدة، للإنتقال من فصل جاف إلى الشتاء.
على الرغم من ذلك، تؤكّد كلاب أن ليس هناك من شحٍّ في المياه يدعو إلى القلق، لكنها تلفت إلى أنّ الأزمة الكبرى تكمن بالهدر الكبير في شبكات التوزيع، ما بين 50 و60%، وتعطي دليلاً على ذلك، يكمن بتوفّر المياه عبر وسائل أخرى، منها الصهاريج، ما يعني أن طريقة التوزيع غير سليمة، وتضيف: “كما لدينا هدراً كبيراً في الزراعة، وكميات كبيرة من المياه الملوثة التي لا تصلح للإستعمال”.
من جانبه، يشدد أبي راشد على مسألة سوء الإدارة، حيث يعطي مثالاً على ذلك الواقع في نبع جعيتا، على سبيل المثال، حيث قدر تقرير البعثة الالمانية، الّتي عملت بين عامي 2006 و2014 لحماية مغارة جعيتا من التلوّث ودراسة مصادر المياه المتدفقة داخلها، حيث بلغ حجمها بما يقارب 146 ألف متر مكعب في اليوم، ما يعني تدفق أكثر من ضعف التقديرات الرسميّة في شهر ايلول، كما أشار إلى أن المياه المتدفقة من النبع غير محصورة جيداً، بمعنى أنه يمكن الاستفادة من كميات أكبر وجرها إلى بيروت، مؤكداً أنّ النفق الذي ينقل المياه إلى محطّة ضبية لا يستوعب كمية المياه كلها، وكذلك الأمر بالنسبة الى عدم قدرة المحطّة المذكورة على معالجة الا كمية محدودة من المياه.
ما تقدم لا يلغي مسؤولية المستهلك، التي تعود كلاّب لتشدد على أنها جزء من سوء الإدارة أيضاً، حيث تلفت إلى أن لبنان من الدول القليلة التي يدفع المواطنون فيها على أساس “العيار” لا كمّية الإستهلاك، كما هو الحال في معظم دول العالم، ما يدفع المواطنين في تلك الدول إلى ترشيد الإستهلاك، على عكس ما هو الحال في لبنان، وتعطي مثالاً معاكساً لهذا الواقع، يتعلق بترشيد المواطنين إستهلاك الكهرباء، لأنّ الدفع يتم على هذا المبدأ.
أما أبي راشيد، فيشدد على أن الحلول المستدامة الذكية لا تطبق، ويؤكد أنّ الواقع الحالي لم يعد من الممكن السكوت عنه، ويرى أن من ضمن الحلول المستقبليّة يجب التركيز على إعتماد العدّادات في إستهلاك المياه، ويضيف: “المشكلة الأساس تكمن في الإدارة ومصدر التلوث”.
في المحصلة، من الضروري الإنطلاق من عبارة كرّرتها كلاب، أكثر من مرة، هي أن لبنان بلد المياه، من أجل التشديد على أن المشكلة، التي لم يعد من الممكن أن تبقى دون حل، هي في سوء إدارة هذا القطاع، الأمر الذي يدفع ثمنه المواطن من خلال الإضطرار إلى دفع رسوم لا يأخذ مقابلها خدمة مقبولة بالحدّ الأدنى، لا سيما أنّ الصهاريج التي تتنقل بين المناطق لا تتوقّف عن هذا الأمر في أيّ فصل من فصول السنة.