أزمة بنزين تتربّص بنا: مصرف لبنان يعقّد القضية

هدأت أزمة البنزين مع رفع الأسعار وتأمين مصرف لبنان كامل الدولارات المتوجّبة للاستيراد وفق سعر منصة صيرفة. إلاّ أن المصرف المركزي أعاد العمل بالآلية القديمة، أي بتأمين 85 بالمئة من قيمة المبلغ المطلوب، على أن تؤمّن الشركات المستوردة نسبة 15 بالمئة من السوق. وهذا القرار انسحب على المحطّات التي بات عليها تأمين الدولارات للمستوردين. لم يسفر قرار المركزي عن تعديل كبير في الأسعار، إلاّ أن توجّهه نحو قرار ثانٍ يتعلّق بآلية تسديد الدولارات التي يؤّمنها، يشي بأن انعطافة قوية سيشهدها سوق النفط.

تأخير تسديد المستحقات

وفق الروتين المعهود، ترسل الشركات المستوردة طلباتها إلى المصارف التي بدورها تحيلها إلى مصرف لبنان ليوافق على تأمين 85 بالمئة من قيمة الشحنات المستوردة، بدولار صيرفة. ومع الموافقة، تبدأ الشركات بتفريغ البواخر وتوزيع الشحنات في السوق، استناداً إلى وعد المركزي بالدفع الذي يُلبّى على ثلاث دفعات.
انعطفَ المركزي فجأة، وقرّر حاكمه رياض سلامة عدم توزيع الدولارات على ثلاث مراحل، بل “على مرحلة واحدة. وإنما بعد انتهاء الشركات من توزيع البنزين وبيعه في السوق”، وفق ما أكّدته مصادر في قطاع النفط، خلال حديث لـ”المدن”.

القرار الجديد “سيخلق إشكاليات يؤجّجها تغيُّر سعر صيرفة”. وتشرح المصادر أنه وبموجب قرار المركزي “سيتم بيع الشحنات في السوق وفق سعر منصة صيرفة المسجّل في يوم البيع، وهذه العملية تحتاج لنحو أسبوع. وحين يأتي موعد دفع المركزي للدولارات، يكون سعر صيرفة قد تبدّل صعوداً أو هبوطاً، ما يُفقِد الشركات المستوردة القدرة على تحديد السعر المناسب لاستيفاء الفواتير من الموزّعين أو المحطات الذين بدورهم سيواجهون انعكاسات تبدّل سعر منصة. فالمستورِد سيبيع بسعر وقد يقبض بسعر آخر، وكذلك الموزّع وصاحب المحطة”.

عدم تسليم السوق

إجراء المركزي “لن يؤثّر بشكل مباشر على سعر البنزين المحدّد من وزارة الطاقة”. لكن في حال حصول أي إشكالية بين مصرف لبنان والشركات المستورِدة، كعدم دفع المستحقات المطلوبة بموعدها، أو في حال تسجيلهم خسارة بفعل تأخّر تسديد المستحقات، قد يلجأ المستوردون إلى “التوقف عن تسليم البنزين”. ما يعيدنا إلى أزمة الطوابير التي بالكاد تُمحى من الذاكرة.

الإشكالية متوقّعة في أي وقت، لأن سعريّ صرف المنصة والسوق يتغيّران باستمرار. وسعر السوق يؤثر على تأمين نسبة الـ15 بالمئة، فيصبح على المحطات موجب الحصول على الدولار من السوق بسعر مرتفع وبيع البنزين بسعر منخفض التزاماً بجدول الوزارة. والمحطات في هذه الحالة، ترفع صوتها مطالبة بالعودة إلى قرار تأمين كامل الدولارت من المركزي، بالإضافة إلى المطلب المستمر، وهو زيادة معدّل الجعالة، أي ربح المحطة لقاء كل صفيحة بنزين.

محاولات لرفع الدعم

تناسَبَ اختفاء طوابير السيارات من أمام المحطات، مع سعي سلامة إلى الحدّ من تأمين الدولارات لدعم المحروقات. وبعد خروج المازوت والغاز من معادلة تأمين دولارات الاستيراد، وحصر استيرادهما بالدولار النقدي، لم يبقَ غير البنزين. وبدوره، أعلن سلامة مراراً أنه غير قادر على الاستمرار بالدعم، وإن جزئياً، لذلك بدأ بـ”ترشيده” بشكل مبطَّن، عبر العودة إلى الآلية السابقة لتأمين الدولارات، وابتدع آلية جديدة لتسليم المستحقات. على أن النغمة التي يعزفها سلامة، لم تجد آذاناً صاغية من قِبَل الشركات المستوردة التي تطالب جنباً إلى جنب مع المحطات، في اعتماد الدولار أساساً لتحديد قيمة البضائع. وعندها تختفي طوابير السيارات بشكل كامل، لكنّها ستمتصّ جزءأ إضافياً من القدرة الشرائية للرواتب والأجور.

لا قرار برفع الدعم كلياً عن استيراد البنزين. لكن الاجراءات المتّخذة تباعاً، تدفع في هذا الاتجاه. على أن يبقى الوضع على ما هو عليه، لحين انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة التي يناط بها تحديد الخطوة التالي في ما يخصّ الأسعار وما تبقّى من دعم. وحاكم المركزي يدرك ذلك، لكنه يحضّر الأرضية مسبقاً.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةالمصارف تستشرس: نريد كابيتال كونترول على قياسنا
المقالة القادمةالمركزي يطرح آلية جديدة تُفرمل استيراد المحروقات… الطوابير راجعة