اعتباراً من يوم غد، ستبدأ أزمة الخبز بالظهور مجدداً. هذه المرّة، مثل المرّات الأخيرة، ستكون الأزمة عبارة عن انقطاع في مناطق محفّز بطلب استهلاكي متزايد للتخزين حتى يصبح توافر الخبز مقنناً في كل لبنان. وما يثير القلق هو أن المعالجات لم تعد مرتبطة بالتمويل من مصرف لبنان لدفع ثمن القمح المستورد فحسب، بل بصعوبة الاستيراد والحصول على السلعة في الوقت اللازم حتى لو توافر التمويل.
ما إن تنتهي أزمة الخبز حتى تطل برأسها مجدداً. في المرات السابقة لجأت الحكومة إلى حلول ترقيعية في اللحظات الأخيرة، ما فرض عليها الخضوع لابتزاز أصحاب المطاحن بينما هي تهمل حقائق أبرزها أن هناك أزمتين تحاصران لبنان: عدم توافر السلعة الغذائية الأساسية، وهذه السلعة لم تعد متوافرة عالمياً كما كانت عليه سابقاً قبل الحرب الروسية – الأوكرانية. أما بالنسبة للتمويل، فإن لبنان اقترض نحو 150 مليون دولار من البنك الدولي من أجل تمويل شحنات استيراد القمح، لكن رغم ذلك ها هو يقع فريسة انعدام التمويل ورغبات التجّار في اقتناص ما يمكنهم من الدولارات المتبقية، وتقصير الحكومة عن إدارة الأزمة رغم العديد من الاجتماعات. فالمصيبة التي ستقع على رأس لبنان اليوم، هي أكبر من سابقاتها ولا ترتبط حصراً بالتمويل وابتزاز أصحاب المطاحن والأفران، بل في نضوب مخزون القمح وصعوبة استبداله.
مخزون القمح المتوافر حالياً «لا يكفي لأكثر من أسبوعين فقط» بحسب نقيب أصحاب الأفران علي إبراهيم، فيما «لا توجد أي طلبات لاستيراد قمح إضافي. البدائل معدومة». ويلفت إبراهيم إلى أن «مستوردي القمح أرسلوا منذ أسبوعين كتاباً لوزارة الاقتصاد حذروا فيه من أنهم سيتوقفون عن الاستيراد، ولم يحرك أحد ساكناً».
أحدث المعطيات تشير إلى «توقف قسم من المطاحن عن العمل ومنها واحدة في الكرنتينا من أكبر المطاحن في لبنان، والتي نضب مخزونها من القمح ولا تنوي الاستيراد» وفقاً لرئيس نقابة أصحاب المطاحن أحمد حطيط. نتائج هذا التوقف ستظهر فوراً لأن «المطحنة التي توقفت عن العمل، مضافاً إليها مطحنتان أخريان تغطّيان 80% من حاجة السوق اللبنانية من الخبز العربي. ومن المستحيل أن تحلّ مطحنة مكان مطحنة أخرى لتغطية النقص، بخاصة إذا كانت بهذا الحجم» على ما يقول حطيط. أما أسباب الأزمة فهي ذاتها في كل مرّة، وتعود إلى «العذاب الكبير في تحويل الأموال من قبل مصرف لبنان إلى المستوردين. فعلى سبيل المثال استوردت باخرة قمح منذ شهر ونصف، ولم يفتح لها مصرف لبنان الاعتمادات إلا يوم الخميس الماضي».
يوضح حطيط أن الخطورة هذه المرّة تكمن في المدّة التي تستغرقها عملية استيراد القمح «ففي حال أخذنا قراراً باستيراد القمح اليوم، لن تصل الشحنات قبل شهر ونصف. أما التعويل على شراء شحنات من بواخر في البحر ففي غير محلّه، إذ هناك صعوبة بالغة في الاعتماد على هذا الخيار لأنه مع بداية الحرب في أوكرانيا كان سهلاً شراء شحنات من بواخر في البحر بسبب الارتفاع الكبير في أسعار القمح عالمياً، ما أدّى إلى إلغاء بعض العقود لصالح عقود أعلى، بالتالي تحويل البواخر إلى المشتري الذي يدفع أكثر. لكن في الوقت الراهن، فالأسعار ارتفعت ومن الصعب إلغاء عقود مقابل فروقات بسيطة في الأرباح».
سيناريو يقود حكماً «إلى كارثة» وفقاً لإبراهيم. حالياً «هنالك تقنين من قبل الأفران، والمطاحن لا تسلّمنا كميات كافية من الطحين. وفي البقاع سينقطعون من القمح خلال اليوم أو اليومين المقبلين». وفي هذا الإطار يشرح حطيط أن «الأزمة في البقاع سببها نضوب مخزون مطحنة من المطاحن الصغيرة من القمح المدعوم، إضافة إلى كون المطحنة الكبيرة التي توقفت عن العمل في الكرنتينا تزوّد قسماً كبيراً من أفران البقاع بالطحين». في النتيجة «لا حلّ في الأفق، والمشكلة ستبدأ بالظهور ابتداءً من يوم غد الأربعاء أو الخميس».