حين يتجه الساسة، بمختلف انتماءاتهم الحزبية، إلى تشجيع الصناعة والزراعة بهدف التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج… أكثر من نصف محصول البطاطا هذه السنة مرمي على أتربة المزارع البقاعية والعكارية، وفي مخازن موقتة بانتظار “التعفّن” لعدم وجود أسواق للتصريف.
للمرة الأولى في مثل هذه الفترة، يضرب كساد حاد أسواق البطاطا في لبنان بالتزامن مع تهاوي سعر صرف الليرة مقابل الدولار واقتراب حلول شهر تموز، إذ تعد البطاطا في طليعة الخضروات المصدرة للخارج خلال الصيف.
لا يصدم أحداً خبر “الإطاحة بمحاصيل البطاطا اللبنانية” لهذا الموسم، نظراً إلى عدم قدرة التجار على شراء المحاصيل نقداً من المزارعين لتصديرها من جهة، ولإصرار وزير الزراعة على إغراق السوق بأطنان البطاطا المصرية، بحجة ان “كميات البطاطا التي دخلت إلى لبنان في الفترة المسموح بها لم تكُن كافية، نظراً إلى حجم الطلب الكبير في الأسواق عليها” من جهة أخرى، لنتكشف مرة جديدة اختلالاً كبيراً بين الإنتاج والتسويق ولنلتمس انعدام حماية القطاع الزراعي ككل، وغياب استراتيجية وطنية تضمن وفرة المنتجات بأنواعها تماشياً مع موسم زراعي.
قلق لدى المزارعين
جوع المزارعين!
منتجو البطاطا ومختلف العاملين في المنظومات الزراعية في لبنان، يكابدون الصعوبات الطبيعية وزيادة كلفة الإنتاج من أجل توفير “عرض الإنتاج المحلي” في الأسواق وتأمين قوتهم في ظل الإنهيار الإقتصادي الحالي، وفي المقابل، يكافأون بإغراق السوق بمنتجات نظيرة تحت عنوان “الإضطرار” بالالتزام بالاتفاقيات مع تجاهل الميزة التفاضلية للمنتج المحلي، حيث تعتبر زراعة البطاطا في لبنان من الزراعات الرئيسة، اذ تقدّر المساحة المخصصة لها بحوالى 19 ألف هكتار. وتحتل محافظتا البقاع والهرمل المرتبة الأولى من حيث نسبة الأراضي المزروعة (70%). كما يُكافأون بإهمال وعدم اكتراث بتصريف إنتاجهم ومطالبهم. فالوزارة المعنية لم تطلب من المصرف المركزي حتى اليوم توفير الدولارات لتجار الخضروات والفواكه على سعر الصرف الرسمي بهدف التصدير، ولم تؤمن أي حل بديل كتوفير برادات لتخزين المنتوج وحمايته.
يعيش الفلاح البقاعي جوزيف الياس فخري، حالة من القلق الشديد على محصوله من البطاطا اذ بلغ إنتاجه منها هذا الموسم آلاف الأطنان، بعد أن وجّه ثلثي الإنتاج للتخزين في غرف غير مبرّدة، ساعياََ الى بيعها بثمن يعادل تكلفة إنتاجها من دون جدوى، ومتخوفاً من تلفها. ويربط فخري في تصريح لـ”نداء الوطن” مستقبل عائلته بإيجاد حل لمعضلة عمّت سهل البقاع بقوله: “ننتظر أن يشتري أحد محصولنا من البطاطا أو يساعدنا في تخزينه في غرف التبريد كي لا يتلف، قبل توجيهه إلى الأسواق في أوقات الندرة التي تتزامن مع فصل الخريف للحفاظ على توازن الأسعار في السوق، أو يساعدنا البنك المركزي في توفير الدولار للتجار على سعر الصرف الرسمي لتصدير منتوجاتنا وإنقاذنا من الإفلاس والجوع في الأشهر المقبلة، إذ سجل الموسم الحالي فائضاً في الإنتاج دفعنا كفلاحين إلى دق ناقوس الخطر”.
ويتابع: “أسواق الجملة تعاني حالياً من تخمة في المعروض إذ برغم عدم شح الطلب هناك وفرة في الإنتاج وما كان يتم تصديره مسبقاً إلى الخليج ترك عندنا ينتظر التلف، وصار الفلاح اللبناني “الصغير” والذي يعتبر أكبر ممون للأسواق، يعزف عن الزراعة ككل في هذه الفترة بعكس ما يشاع عن تشجيع الزراعة على ألسنة السياسيين. ففي شهر آذار كان سعر الصرف 3000 وفي شهر نيسان صار 4000 وفي شهر أيار أصبح 5000 واليوم حزيران يلامس سعر الصرف 6000 أي أن الليرة تتهاوى ألف ليرة مع كل شهر، وباتت كل منتجاتنا تتراكم عندنا وما من تاجر يشتريها نقداً مهما تم توجيه الفلاحين وإرشادهم، بهدف تقسيم نوع المنتج المعني بزراعته كل فلاح في منطقته المعينة ومهما رُسمت استراتيجيات، الدولار هو الداء والدواء”.
يقول المزارع قاسم ملحم شومان لـ”نداء الوطن” إن هناك العديد من المزارعين والفلاحين مدينون بمبالغ كبيرة لتجار البذور والأسمدة والمواد المهمة للزراعة، وينتظرون حلاً للمشكلة وتحصيل عائدات بيعهم للمحصول كي يصرفوا على منازلهم والوفاء بالتزاماتهم المالية، وإلا سيواجهون الفقر وربما الجوع رغم كونهم مزارعين!”