لا شيء يهدئ من روع المصرفيين إزاء تطوّرات الملف القضائي الفرنسي في وجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. إرباك وقلق من أن يسقط ويجرّ الكل معه، وذعر من عدم وجود خطة رديفة بحوزتهم تخفّف من هذا السقوط، مهما حاول سلامة التخفيف من وقع التطوّرات وطمأنتهم في لقاءاته الخاصة المتواصلة معهم.
يدرك هؤلاء أن سلامة «ماشي» إلى غير رجعة، سواء بقرار قضائي خارجي أو محلي، أو بالتنحّي، أو بالإقالة، أو بانتهاء الولاية بعد نحو شهرين ونصف شهر. وهذا الاستحقاق يتأرجح بين لحظة الادعاء الفرنسي عليه وبين انتهاء ولايته. لذا، ثمة شبه إجماع بينهم على أن مصيرهم بات على طاولة التفاوض، فيما قلّة منهم تملك أوراقاً تفاوضية. هذا هو الشكل الذي بلغته العلاقة بين غالبية أصحاب المصارف وبين مواقع النفوذ المختلفة، سواء بالحاكم نفسه أو بقوى سياسية. علماً أن هؤلاء لم يكونوا على وفاق منذ انفجار الأزمة. إذ إن ما كان يجمعهم هو تقاسم التمويل المتدفق، وعندما نضبت التدفقات تفرّقوا.
وفي هذا السياق، يحاول هؤلاء استقطاب عطف سياسي من خلال تسريبات عن مصارف وتراخيص جديدة ستؤدي إلى تغيّر هائل في تركيبة القطاع. والهواجس التي يطرحها أصحاب المصارف، سبق أن أُثيرت أيام حكومة حسان دياب عندما ضُمِّنَت إحدى نسخ الخطّة الحكومية آنذاك، بنداً يتضمن منح تراخيص جديدة لخمسة مصارف، وبنداً آخر عن تحويل قسم من الودائع إلى مساهمات في رساميل المصارف. يومها، استند رد الفعل إلى أن قسماً كبيراً من أصحاب الودائع الكبيرة ينتمون إلى طائفة غير تلك التي تملك المصرف. ويصبّ في السياق نفسه، ما قاله قبل أيام الأمين العام لجمعية المصارف فادي خلف، حين أشار إلى وجود تسريبات عن منح تراخيص جديدة للمصارف تتعامل بالدولار «الفريش»، ما يعني «خلق قطاع مصرفي جديد والقضاء على القطاع المصرفي الحالي مع ودائعه».
الترجمة الفعلية لهذا الكلام، أن المصارف لم تعد قلقة على عملية توزيع الخسائر، بل قلقة على مرحلة ما بعد توزيعها وتقاسم الحصص السوقية، إذ ترى أنها «أحقّ» بالاحتفاظ بزبائنها رغم أنها سطت على ودائعهم، وأنه لا لزوم لأي تغيير في بنية تركيبة القطاع المصرفي طالما لم يحصل أي تغيير في تركيبة السلطة، لأن التركيبتين متماثلتان ولا يجب التمييز بينهما. ومسألة التراخيص الجديدة أثيرت في اللقاء الأخير بين الحاكم وبعض أعضاء مجلس إدارة جمعية المصارف وهيئة المكتب فيها.
ووفق مصادر مطلعة، فقد أجابهم سلامة بأن هناك طلبات مقدّمة ضمن المسار القانوني للحصول على تراخيص لمؤسسات مالية و«ديجيتال بنك» ومصرف تجاري، لكنه أكد أنه لا ينوي منح تراخيص جديدة في هذه المرحلة، ولم يعرض الأمر على المجلس المركزي. كذلك، أثير جانب آخر من مخاوف أصحاب المصارف يتعلق بالتعميم 165 الذي يفرض عليها فتح حسابات بالدولار النقدي لدى مصرف لبنان لإجراء المقاصة والتحويلات بالدولار النقدي محلياً. ففي رأي المصارف، إيداع الأموال بالدولار النقدي لدى مصرف لبنان يضعها في موقف مخادع تجاه الزبائن، لأنها تبرّر عدم وجود الودائع بأنها أودعتها لدى مصرف لبنان الذي يحتجزها، وبالتالي كيف سيكون موقف الزبائن من إيداع «الفريش» في «المركزي». الإجابة أتت واضحة من سلامة، بأن ما من ضرورة لأن تغذّى هذه الحسابات بأكثر من الحاجات الفعلية والآنية للعمليات الجارية، وفق طلب الزبائن.