يرى الوزير السابق والخبير المالي والمصرفي عادل أفيوني ان أي زيادة على الرواتب لا تأتي ضمن اطار خطة شاملة ستنعكس سلبا على المواطن إما تضخماً اضافياً او انهياراً اضافياً للعملة. ويجب أن يكون هناك توازن في الموازنة بين الانفاق وايجاد مصادر تمويل له.
وأكد ان القوى الحاكمة تغلب مصالحها الشخصية الضيقة والمذهبية والفئوية على المصلحة العامة، وهذا يتحكم في كل ما مرّ من إجراءات في معالجة الازمة ودفعنا ثمنه غالياً، فهناك مبادئ ومنطق معروف لمعالجة الازمة اللبنانية، ولكنها تصطدم بالتعطيل منذ اربع سنوات إلى اليوم.
وعن إسقاط مشروع هيكلة المصارف قال: لا شك في ان حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري كان في اللجان التي وضعت مشروع القانون وله دور مهم. والسؤال هل تقدم المشروع بالرغم من ارادته؟ أكيد لا، هل وافق عليه وتراجع؟ لا اعرف، لكن هذا النمط من التنصل من المسؤولية يدل على ان لوبي المصالح الخاصة يعطل اي تقدم في أي ملف.
وتحدث في حوار مع «نداء الوطن» عن خطة الظل التي هي عملياً خطة التأجيل حتى انهاك الضحايا اي المودعين، لأنهم وحدهم يدفعون الثمن من دون أن يكون لهم اي ممثل في المفاوضات الجارية او الخطط التي توضع، معتبراً ان 99% من الخطط البديلة اليوم هي نظرية وسياسية وشعبوية ولا تستند الى ارقام شفافة، والسؤال هو: من هي الجهة التي قيّمت أصول الدولة بشكل صحيح في الوقت الحالي وفي ظل الانهيار لتتحدث عن خيار استخدام تلك الاصول في عملية رد الودائع؟ اما ما يطرح حول عودة المصارف للاقراض يعني أن كل القطاع المصرفي السابق مع كل مودعيه صاروا الجزء السيئ، والمصرف الجيد هو «الفريش بنك»، هذا ليس عدلاً لأنه يتجاهل حقوق المودعين ليتم طي صفحتهم ويقال لهم «دبروا حالكن فنحن نعمل بأموال جديدة وكأن شيئا لم يكن».
ولا يوارب الوزير السابق لشؤون الاستثمار والتكنولوجيا والخبير المصرفي عادل أفيوني في توصيف حدة الازمة المالية والنقدية التي يتخبط فيها لبنان منذ ما يقارب 5 سنوات. برأيه ما يجري هو تنفيذ لـ»خطة ظل» لإنهاك الخاسر الاكبر أي المودعين. فمعالم الخطة البديلة حالياً هي التنصل من مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف، وتحويل سعادة الشامي الى «فشة خلق»، وتجاهل حاملي سندات اليوروبوندز، وترويج أن المادة 113 من قانون النقد والتسليف هي خشبة خلاص المودعين، ومحاولة طي صفحة كل الودائع في المصارف تحت حجة تشجيع المصارف على الاقراض من جديد، ناهيك عن اقرار مساعدات للقطاع العام من دون خلق توازن بين الانفاق والواردات. هي دوامة ستستمر برأيه بسبب غياب محاسبة الطبقة السياسية المسؤولة عن الازمة، والتي هي اليوم في وضع أقوى، في ما يلي نص الحوار:
– كيف ترى الزيادات التي أقرتها الحكومة للقطاع العام وأتت من خارج أيإصلاح؟
بالتأكيد هناك فئة من الموظفين تحتاج هذه الزيادات بسبب غلاء المعيشة والوضع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه أغلب اللبنانيين. لكن كل زيادة يجب أن يقابلها مورد مالي، والسؤال هو من أين سيتم تمويل هذه الزيادة؟ هناك نمط مستمر في لبنان وهو أن الانفاق لا يقابله أي اجراءات لزيادة الواردات، فايرادات الدولار شحيحة وعملتنا مستمرة في الانهيار، لكن يبدو أننا لم نتعلم الدرس ونمنح زيادات للقطاع العام من دون دراسة كافية. لا أعرف كيف ستتم تغطية هذه الزيادات، وهناك من يقول إنه سيتم تأمينهم من السوق الداخلي، وهذا يعني أن هناك خطراً في ارتفاع الدولار في السوق السوداء بسبب هذه الزيادة. اي زيادة ليست ضمن اطار خطة شاملة ستنعكس سلباً على المواطن إما تضخماً اضافياً او انهياراً اضافياً للعملة. ويجب أن يكون هناك توازن في الموازنة بين الانفاق وايجاد مصادر تمويل له.
– هل هذا يعني أن موازنة 2024 مهددة؟
– لننتظر ونرَ. تاريخياً في لبنان لم تطبق اي موازنة، والانفاق والواردات على أرض الواقع غالباً ما تختلف عمّا يوضع في الموازنة على الورق. هذا النمط في التعامل مع المالية العامة دفعنا ثمنه ولا نزال، ومن دون محاسبة لوزير المالية عما اذا حقق الانفاق والواردات التي تعهد فيها في الموازنة ام لا.
– هل تغيرت عقلية الطبقة السياسية في مقاربتها للوضع المالي منذ بداية الازمة والى الآن؟، خصوصا أنه سبق لك أن واكبتهم حين كنت وزيراً في حكومة الرئيس سعد الحريري الاخيرة؟
تجربتي الوزارية كانت قصيرة ولمدة 10 أشهر لكنها كانت في مرحلة حساسة، وكان من المفروض أن تكون حكومة تجنب الانهيار ولم تنجح بسبب نمط من التعاطي مع الازمة الذي أوصلنا للانهيار، ولا أظن أنه تغير الوضع، ولم يتعلموا الكثير من الدروس لأسباب واضحة، فالاحزاب التي تحكم البلد لا تزال تقريباً هي نفسها من يحكم، لم يتعلموا الدرس لأنهم لم يحاسبوا وهم اليوم أقوى. من جهة ثانية لا يمكن أن يحصل أي تطور أو تحسن في أي دولة أذا لم تتم المحاسبة. في لبنان ليس هناك حوكمة أو هرمية في اتخاذ القرارات، بل على العكس هناك مجموعة قليلة من السياسيين يجب أن يتفقوا على أي قرار كي يسلك مساره نحو التنفيذ، ومن المستحيل أن يتفقوا لأنهم يفضلون مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة.
من ناحية أخرى تغلّب القوى الحاكمة مصالحها الشخصية الضيقة والمذهبية والفئوية على المصلحة العامة، وهذا يتحكم في كل ما مرّ من إجراءات في معالجة الازمة ودفعنا ثمنه غالياً، فهناك مبادئ معروفة لمعالجة الازمة اللبنانية، ولكنها تصطدم بالتعطيل منذ اربع سنوات إلى اليوم. حين كنت في الوزارة كان هناك الكثير من الاصلاحات التي كان يوقفها التعطيل وهناك مكونات سياسية تفرض التعطيل اذا كانت مصلحتها ستتأذى.
– هل يعني تأجيل مناقشة مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف في مجلس الوزراء ان الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد مات سريريا؟
للاسف نحن نحتاج للتقدم في هذا الملف، ومنذ 4 سنوات نراوح مكاننا من دون خطوات جدية. لدي مآخذ كثيرة على مشروع اعادة هيكلة المصارف، لكنه من المهم ان يكون هناك مشروع لاطلاق عجلة النقاش في هذا الموضوع. للأسف أصحاب المشروع تبرأوا منه وتخلوا عنه. لا تفاصيل لدي حول تنصل حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري من هذا المشروع، ولا شك انه كان في اللجان التي وضعته وله دور مهم. والسؤال هل تقدم المشروع بالرغم من ارادته؟ بالتأكيد لا، هل وافق عليه وتراجع؟ لا اعرف! لكن هذا النمط من التنصل من المسؤولية يدل على ان لوبي المصالح الخاصة يعطل اي تقدم في أي ملف. طالما انه ليس هناك حكومة بصلاحيات استثنائية قادرة على التقدم بهذه المشاريع وتُحاسب على أساسها، وطالما أن القرار بيد القوى الحاكمة سياسياً والمصارف، فهذا يعني أنهم يملكون خيار التعطيل وعدم الاتفاق على اصلاحات تضر بمصلحتهم. مشروع اعادة هيكلة المصارف هو طبخة بحص بدأ التنصل منه من قبل الجميع.
– برأيك لماذا حصلت شيطنة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي على خلفية هذا المشروع؟
من غير المنطقي التوقع أن هذا المشروع هو من بنات أفكار الوزير الشامي، وأنه المسؤول الوحيد عنه. لكنه الحلقة الاضعف ويحاولون أن يجعلوه «فشة خلق». هذا المشروع مثل المشاريع التي سبق أن طرحت، هو من وضع افرقاء مختلفين والمسؤولية مشتركة. سعادة الشامي كانت لديه الجرأة في الاستمرار في تحملها بينما إنسحب الباقون تحت الضغط السياسي وهذا ليس عدلاً، وهذا ما سبق أن رأيناه في حكومة الرئيس حسان دياب وهذا النمط مستمر، ولعبة تضييع الوقت مستمرة. هناك اشخاص لديهم نوايا طيبة ولكن يعلمون أن التعطيل هو نوع من الاستمرار، وهناك اشخاص يمتهنون التعطيل لأن مصلحتهم بأن يكون التأجيل مستمراً. خطة الظل هي عملياً خطة التأجيل حتى انهاك الضحايا الذين هم المودعون، لانهم وحدهم يدفعون الثمن من دون ان يكون لهم ممثل في المفاوضات الجارية او الخطط التي توضع، والسؤال لماذا يتم إشراك اصحاب المصارف فقط؟
– أنت من الخبراء الذين يقولون إن الدولة مسؤولة عن الانهيار ايضاً، واليوم هناك شعار رد الودائع من ايرادات اصول الدولة، كيف ترى هذا الامر؟
شخصياً أعتبر ان الدولة مسؤولة عن الانهيار، وهي تتشارك مع المصرف المركزي والمصارف في ذلك. مسؤولية الدولة تنطلق من أن ازمة لبنان لها خصوصية مقارنة مع كل الازمات المالية والنقدية والاقتصادية التي حصلت في العالم، لأن الدائن الاكبر والخاسر الاكبر ليس المؤسسات الاستثمارية ومستثمرين اجانب كما يحصل في ازمات مماثلة حيث الدائن الاكبر هم المستثمرون المحترفون. في لبنان خصوصية مهمة جداً هي أن 80 بالمئة من الدائنين (هم الخاسر الاكبر) هم مواطنون عاديون. لا يمكن معالجة ازمة لبنان المالية والمصرفية بالطريقة نفسها التي نعالج فيها في اي بلد آخر، وخسائر المواطنين هي قنبلة اجتماعية وكلفتها كبيرة على الاقتصاد ولا يمكن تجاهلها. معالجة هذه الازمة تكون عبر تحمّل الدولة مسؤوليتها أي تطبيق خطة شاملة لإعادة هيكلة الدين وتحديد كم ستتحمل الدولة مسؤولية منه، وهذا الامر لم يحصل ويتمّ تجاهله: أي إعادة هيكلة سندات اليوروبوندز وشهادات الايداع في المصرف المركزي. وهنا ألفت الى أنه لا يمكن التعاطي مع سندات المصرف المركزي بطريقة أفضل من سندات اليوروبوندز لأن لهذا الامر انعكاسات قضائية وقانونية صعبة على لبنان. برأيي الشخصي أن حاملي سندات اليوروبوندز يملكون اولوية قانونية على الدولة لمعالجة أوضاعهم، وهذا أمر لا يمكن القفز فوقه. أول خطوة في تحمل الدولة لمسؤوليتها تجاه كل الدائنين، هي الاتفاق على الهيركات مع حاملي السندات وهذا الامر لم يحصل، بعدها يمكن تحديد الخسائر في المصارف وهنا يمكن تطبيق مبدأ الرأسمالية الذي يوجب على المصرف تحمل مسؤوليته، علماً أنه (المصرف) لا يحق له التمييز بين مودع وآخر والجميع سيتحملون الخسائر بحسب الخطة لاعادة هيكلة المصارف واعادة جدولة الودائع، وهذا يعني ايضاً تحمل المسؤولية من قبل مجالس الادارة في المصارف واصحاب المصارف عليهم مسؤولية ايضاً.
المرحلة الثالثة هي اعادة هيكلة المصارف بطريقة علمية ومنطقية، وبعدها يجب فرز المتضررين من اعادة الهيكلة والودائع التي لم يتم تسديدها كاملة شرط أن يكون اصحابها مواطنين عاديين وليسوا مستثمرين محترفين. هنا تعود الدولة للتدخل لدعم المودعين ولكن مع تمييز بين المودعين العاديين والمستثمرين المحترفين الذين وضعوا أموالهم في المصارف اللبنانية بالرغم من معرفتهم بحجم المخاطر إذ ليس من العدل اعادة ودائع هؤلاء كاملة من اموال الشعب اللبناني. بالمعايير المالية يمكن لكل مصرف التمييز بين المودعين عند فتح الحساب سواء أكان مودعاً محترفاً يعرف بالمخاطر المالية ولا تتحمل الدولة مسؤولية تجاهه وآخر مودع عادي. الدستور يحمي الملكية هذا صحيح، لكن هذا الامر لا يسري على الودائع، ولو ان كل الودائع مقدسة عندها يمكن للجميع وضع أموالهم في المصارف، ولا يعود هناك داع لحجم الفوائد التي يتقاضونها مقارنة مع حجم المخاطر. انا مع تحمل الدولة مسؤوليتها تجاه جزء من المودعين يستأهلون ويستحقون ذلك لأسباب اجتماعية، وأزمتهم مسؤولية اجتماعية على غرار ما يحصل في اي كارثة في البلد، والمعالجة تتمثل من خلال ايجاد آليات لرد الودائع من موارد الدولة، لكي نتجنب شمولية الدعم على المودعين، فهناك مودعون مضاربون لا يستحقون الدعم، عندها يمكن ان يصبح حجم التعويضات اقل بكثير.
– كيف ترى طروحات الأحزاب السياسية التي تقترح استخدام أصول الدولة لرد الودائع؟
أغلبية الاقتراحات نظرية، بعد اربع سنوات من الازمة للاسف لا تزال الارقام غير معروفة عن الازمة، وحتى ميزانيات المصارف لا تزال مغلوطة. هناك انعدام شفافية وهذا أمر غير مقبول. خطة لازار نصّت على دعم المودعين الذين يملكون أقل من 500 الف دولار ومن دون تمييز، وحالياً يتم الحديث عن دعم المودعين الذين يملكون ودائع تقدر ب100 الف. ما حصل هو تمييز بين كبار وصغار المودعين، وشخصياً أقول انه حتى لو أردنا التمييز بين كبار المودعين الذين يستحقون الدعم، يجب أن تكون هناك أرقام شفافة عن عددهم وهذا أمر غير متوفر بعد. 99 بالمئة من الخطط اليوم هي نظرية وسياسية وشعبوية ولم تستند الى ارقام شفافة، والسؤال هو من هي الجهة التي قيّمت أصول الدولة بشكل صحيح في الوقت الحالي وفي ظل الانهيار؟
– هناك تجاهل لحاملي سندات اليوروبوندز إلى أين سيوصلنا هذا الأمر؟
الخطة الانقاذية كان يجب ان تنفذ على مراحل وتبدأ بتقديم الدولة اللبنانية خطة مالية لتتمكن من الاتفاق مع الدائنين (دائني سندات المصرف المركزي واليوروبوندز) على اعادة جدولة معينة وهذا لم يحصل. بدأ التفاوض اثناء وضع خطة لازار ثم تعطّل وأوقف. أغلب حاملي سندات اليوروبوندز الاجانب هي صناديق محترفة ولحسن حظنا (تحمل سندات بقيمة 15 مليار دولار) ولبنان يشكل جزءاً صغيراً جداً من محفظتهم وليس شغلهم الشاغل، ويطبقون في المحاسبة مبدأ تسعير السندات بسعرها السوقي الحقيقي، اذا أخذوا الخسارة في 2020 – 2021 وسعر اليوروبوندز حالياً لا تتخطى 6 سنتات، وهذا دليل على انعدام الثقة بالسندات. الصناديق حالياً في حالة ترقب للوضع اللبناني، ولكن هذا لا يعني انها ستبقى نائمة وأول تحرك نحو إعادة هيكلة أو جدولة للأزمة اللبنانية، ستطالب بحقوقها وهذا يعني مخاطر على لبنان، لأن حامل السندات حين يرى أن الدولة تميّز سندات المصرف المركزي عن سنداته سيعترض كونه الاولى من الناحية القانونية في معالجة أوضاعه. بالتالي اطروحات إستعمال أصول الدولة لتغطية سندات المصرف المركزي ليست من مصلحتنا لأنه سينقض علينا حاملو سندات اليوروبوندز. والخطر الثاني في حال أرادوا التصعيد، سيضعون أصول الدولة والمركزي في نفس»الميزان» وسيطرحون الاستيلاء على اصول الدولة الاخرى وأقربها الذهب. هناك خطر ثالث إستجد مؤخراً وهو أن يرفع اصحاب سندات اليوروبوندز دعاوى قضائية على لبنان بسبب «الغش» في أرقام الدين العام، فحين طرحت السندات للبيع تم اعلان رقم دين عام 33 ملياراً في حين انه اليوم يقال ان هناك زيادة على هذا الدين قدرها 16 مليار دولار. لكن وحسب معلوماتي أنه الى الآن لم يتدخل حاملو السندات باتجاه التصعيد والمحاكمة والمشاكسة لتحصيل أكبر نسبة من الارباح.
– هناك طرح بأن المادة 113 من قانون النقد والتسليف، تشير الى أن الدولة هي التي تغطي خسائر مصرف لبنان، ما رأيك؟
البعد الاجتماعي في أزمة لبنان مهم جداً. أزمة المودعين كارثة وهناك وضع مأسوي عند بعض المودعين الذين ينتظرون منذ اربع سنوات ويسمعون عن افكار وحلول، لكنهم لا يرون شيئاً على أرض الواقع. ليس الحل ان نلجأ الى طروحات تعجيزية، لنفرض انه يجب تطبيق المادة 113 والدولة هي المسؤولة عن كل خسائر المصرف المركزي، لكن هذا الامر سيستغرق عقوداً طويلة، وهذا يعني عملياً استحالة بالتطبيق. من يدافع عن هذا الطرح هم من دعاة التأجيل وبرأيي هناك كثير من المودعين ضحية هذا الطرح، لأنه نظرياً جيد لكن من الناحية العملية لن يؤدي الى حل، وانعكاساته ستكون من خلال تحرك حاملي سندات اليوروبوندز لتحصيل حقوقهم.
– هناك من يراهن من الطبقة السياسية على التسوية في المنطقة والتي سيكون لبنان جزءاً منها، للخروج من الازمة المالية والنقدية؟ هل صحيح هذا الرهان؟
لا أعرف اذا كان سيحصل حل سياسي سريع، لكن لنسلّم جدلاً بأن الحل السياسي سيكون سريعاً، لا أتصور أنه اقليمياً ودولياً وعربياً هناك استعداد لدعم جدي من دون تنفيذ اصلاحات في لبنان. لأن الاموال والمساعدات تم هدرها في السابق، وليس صحيحاً ان هناك قلقاً عربياً ودولياً حول استمرار لبنان وانهم سيقدمون المساعدات والقروض من دون تطبيق الاصلاحات. لقد تعلموا الدرس ومعهم حق. تاريخياً مارسنا التشاطر على الدول المانحة العربية والاجنبية، وهم اليوم واعون له ويرفضونه. إنها اوهام ولا ارى أي مجال لدعم خارجي من دون إصلاحات جدية.
– يقول حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري إنه يمكن لبعض المصارف العودة إلى التسليف بالدولار لإعادة الحركة للنظام المصرفي في لبنان، ما رأيك؟
هذا ذكرني بما سبق و طرحته بحل البنك السيئ والبنك الجيد. هناك منهجية لمعالجة الوضع المصرفي عبر تقسيم كل مصرف الى جزء سيئ وآخر جيد. الجزء الجيد هو القروض التجارية والنشاط التجاري والسيئ هو المحفظة السيادية.
حين طرحت هذا الحل كان الهدف هو استمرار الجزء الجيد من المصارف بعمله لأنه كان يمكن اعادة رسملته والاستمرار بدوره في تمويل الاقتصاد الذي كان من المفروض أن يكون أولوية. والجزء السيئ تتم معالجته بنفس الطريقة التي طرحناها من دون ان يعيق ذلك استعادة المصارف لدورها. للأسف هذا الطرح لم يلق اي تجاوب، لأن هناك اشخاصاً لم يفهموه وآخرين ليس من مصلحتهم الفصل وتقليص القطاع المصرفي لحجمه الطبيعي. لو كنا قمنا بهذه الخطوة لكان استمر القطاع المصرفي. ما يطرح اليوم أن كل القطاع المصرفي السابق مع كل مودعيه صاروا الجزء السيئ، والمصرف الجيد هو «الفريش بنك» هذا ليس عدلاً لأنه يتجاهل حقوق المودعين ويتم طي صفحتهم ويقال لهم «دبروا حالكن ونحن نعمل بأموال جديدة وكأن شيئا لم يكن». هذا ليس عدلاً، فاذا كانت المصارف تملك أموالاً لتمويل القطاع فمن الاولى رد أموال المودعين.
الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني معدومة في كل دول الخليج وأوروبا بسبب ممارسات أصحاب المصارف التي ادت الى الازمة وبسبب طريقة تعاطيهم مع الازمة. ولا يمكن لأي كان أن يعاود وضع أموال «فريش» في المصارف الا لإنجاز معاملات وليس أكثر، فمن اين ستأتي السيولة المطلوبة للإقراض؟.