لم تتوقف إجراءات إعادة إحياء التدقيق الجنائي يوماً. لكن ذلك لا يعني أنها تسير بشكل طبيعي. البطء الشديد لا يؤشر إلا إلى مماطلة متعمدة. مع ذلك، فإن الخبر الإيجابي يبقى أن شركة «ألفاريز ومارسال» قد وافقت، بعد كثير من التشدد، على توقيع عقد جديد، كما وافقت على التراجع عن مطلب الحصول على قيمة العقد مسبقاً. لكن ما لم تتراجع عنه هو طلبها الحصول على مبلغ 150 ألف دولار هي قيمة البند الجزائي الذي تضمنه العقد الأول (31/8/2020) في المادة الثانية منه، والذي فسخته في 17 تشرين الثاني 2020، معتبرة أنها لم تحصل على المعلومات التي تخوّلها البدء بعملية التدقيق. حينها أرسلت الشركة فاتورة إلى وزارة المالية تطلب فيها 178.950 ألف دولار (150 ألف دولار تُحوّل إليها زائد طوابع وضريبة على القيمة المضافة وضريبة على الدخل).
وبالرغم من محاولة وزير المالية ثني الشركة عن المطالبة بهذا المبلغ، على اعتبار أن الدولة بصدد توقيع عقد جديد معها بقيمة تصل إلى 2.7 مليون دولار، إلا أن «ألفاريز» أصرّت على تنفيذ العقد السابق، ودفع المبلغ المستحق، قبل توقيع أي عقد جديد.
وبناء على ذلك، نظمت وزارة المالية عقد مصالحة، تدفع بموجبه الدولة 150 مليون دولار، على أن تتنازل الشركة عن كل حق أو مطلب يتعلق بموضوع المصالحة. وفقاً للأصول، عرض العقد على هيئة التشريع والاستشارات، التي أصدرت استشارة في 17 تموز الماضي، أكدت فيها إمكانية السير بمشروع المصالحة، عملاً بالاتفاقية الموقّعة في 31 آب 2020، واستناداً إلى المادة 1035 من قانون الموجبات والعقود التي تشير إلى «التساهل المتبادل في الحقوق التي يصحّ الصلح فيها منعاً لحصول نزاع».
لم يتبق سوى تنفيذ العقد ودفع المبلغ المتفق عليه. ولذلك، أحاله مراقب عقد النفقات في وزارة المالية إلى ديوان المحاسبة، في 2 آب الحالي، لإجراء الرقابة المسبقة بشأنه، مشيراً إلى أن الاعتماد المطلوب مؤمّن في مشروع موازنة وزارة المالية لعام 2021 (بموجب مرسوم النقل من الاحتياطي). وبعد درس الملف، أصدرت الغرفة المعنية في الديوان، والتي ترأسها القاضية نيللي أبي يونس وتضم المستشارتين رانية اللقيص ونجوى الخوري، قراراً، في 3 آب، قضى برفض عقد المصالحة، للأسباب التالية:
– عدم عرض العقد الأول على الرقابة المسبقة للديوان قبل توقيعه (عُرض العقد بعد توقيعه فرفضه الديوان).
– يتعارض العقد مع ما استقر عليه اجتهاد ديوان المحاسبة الذي أكد الطابع الجوهري والإلزامي للرقابة، بما يؤدي إلى بطلان عقود النفقة التي أجريت خلافاً للقواعد والأصول، والتي لا يصح عندها القول بصرف هذه النفقات على سبيل التسوية لأن هذه المادة تشترط أن تكون تلك النفقة قد عقدت وفقاً لأحكام القانون.
– لم يتبين للديوان الأصول التي اعتمدت لاختيار الشركة وكيفية تحديد الكلفة الإجمالية، والأصول المعتمدة للاستلام ومحاسبة الشركة عن الأعمال المنفذة.
– لم يترتب المبلغ المصالح عليه نظير خدمات قامت بها الشركة المذكورة وجرى استلامها من قبل الإدارة، كما لا يمكن اعتبار الإدارة أثرت على حساب الغير، وفق المعطيات المطروحة. ما يعني أن المبلغ المطلوب بمثابة تعويض قد سبق تحديده من قبل طرفي الاتفاقية نظير إخلال الدولة بالتزاماتها التعاقدية المتعلّقة بتوفير وتأمين المعلومات الكافية لاتخاذ قرار بدء التدقيق الجنائي.
أمام هذا الموقف المتوقع من ديوان المحاسبة، نظراً لعدم موافقته سابقاً على العقد، وبعد تعذّر الدفع للشركة، بالرغم من توفّر الاعتمادات، كان يفترض بوزارة المالية عرض الخلاف على مجلس الوزراء للبت به. لكن في ظل حكومة تصريف الأعمال، طلبت الوزارة من رئاسة الحكومة، أمس، الموافقة الاستثنائية على السير بعقد المصالحة وبإجراءات دفع المبلغ المستحق للشركة. وبحسب المعلومات، فإن رئاسة الجمهورية وافقت على توقيع هذه الموافقة وكذلك فعلت رئاسة الحكومة.