يتحسّر أعضاء مجلس بلديّة بيروت على الأيّام الخوالي عندما كانت موجودات المجلس في مصرف لبنان تتخطى الـ900 مليار ليرة، ما جعل بلديّة بيروت تتربع على رأس قائمة أغنى البلديّات اللبنانية. الأزمة الاقتصادية «أذابت» هذه الأموال، بفعل انهيار الليرة، من 600 مليون دولار إلى أقل من 9 ملايين دولار، إضافة إلى صرف المجلس نحو ملياري ليرة في السنوات السابقة. هذا ما جعل البلدية تعيش «كل يومٍ بيومه»، فغابت المشاريع الإنمائية، وتراجعت الخدمات مع تقليص النفقات، وحتّى زينة الأعياد لم تجد لها مكاناً في شوارع العاصمة.
اليوم، يكاد ينحصر «همّ» أعضاء المجلس بدفع مستحقات نحو 1600 موظف تابعين للبلدية، إضافة إلى التعويضات ومعاشات التقاعد والخدمات الاستشفائية. فيما ينتظر البلدية استحقاق مالي أكبر، يتمثّل في مستحقات شركة «رامكو» مقابل كنس وجمع النفايات من شوارع العاصمة. فالشركة التي كانت تتقاضى مستحقاتها (نحو 60 مليون دولار سنوياً) بالاتفاق مع حاكم مصرف لبنان شيكات مصرفيّة بسعر 3900 ليرة للدولار، تصر اليوم على رفع هذه التسعيرة إلى أكثر من 15 ألف ليرة. يعني ذلك أن موجودات البلديّة في المصرف لن تكفي لصرف مستحقات «رامكو» ودفع رواتب الموظفين لأشهرٍ معدودة.
في المقابل، لا تتخطّى نسبة جباية الرسوم من سكّان العاصمة الـ30%، إذ تفتقر البلدية إلى جهاز بشري مخصص للجباية، وتعتمد على «تطوع» السكّان لتسديد الرسوم والغرامات. وفي غياب التنسيق بينها وبين الدوائر العقارية، فإن عدداً كبيراً من القاطنين في المباني الجديدة يمتنعون عن تسديد الرسوم المتوجبة عليهم ليستفيدوا من الاعفاءات، ما يتسبّب بخسائر لصندوق البلدية.
كلّ ذلك يدفع المجلس إلى البحث عن حلولٍ لزيادة المداخيل، وبالطبع فإن العين تقع أولاً على جيوب سكّان المدينة. هكذا، شكّل محافظ بيروت القاضي مروان عبّود لجنة استثنائيّة من 7 من أعضائه لإعادة النظر في القيم التأجيريّة في العاصمة خلال مهلة شهر. وقد بدأت اللجنة اجتماعاتها (تعقد اجتماعاً اليوم)، وعلمت «الأخبار» أن من الاقتراحات التي تداولها زيادة هذه القيم بنحو 50 ضعفاً، أي أن من كان يدفع 60 ألف ليرة سيكون عليه دفع نحو 3 ملايين ليرة، علماً أن هذه القيمة تختلف بحسب المناطق.
الاقتراح أثار حفيظة بعض الأعضاء البلديين الذين بسبب «الزيادة المبالغ فيها والتي ستثير سخطاً لدى سكّان بيروت وأبنائها». إضافة إلى أن في الأمر «نوعاً من الارتجالية، لعدم قدرة اللجنة على القيام بجردة فعليّة في غياب الجهاز الإداري، ما يعني الاكتفاء بالشقق التي تملك البلدية معلومات عنها، ومن دون الأخذ في الاعتبار بما يُسمّى بالشقق المكتومة غير المصرح عنها في البلديّة».
أحد أعضاء اللجنة، العضو البلدي أنطوان سرياني، قدّم اعتراضاً رسمياً في كتابٍ وجّهه إلى عبود رفض فيه تكليفه باللجنة، واعتبر أن «تشكيل اللجان لا يدخل ضمن صلاحيّات المحافظ بل ضمن صلاحيات المجلس البلدي سنداً للمادة 53 من قانون البلديّات».
ولزيادة مداخيل الصندوق وتلبية حاجات الأهالي وزيادة رواتب الموظفين والمتعاقدين في ملاك البلدية وفوجي الحراسة والإطفاء، اقترح سرياني إنشاء مجموعة من فوجي الحراسة والإطفاء تكون مهمّتها الكشف على التعديات على الأملاك الخاصة والعامّة وتكليف الشاغلين بالرسوم والغرامات، مقترحاً البدء بالمطاعم والمقاهي التي تشغل الأرصفة خلافاً للقانون، مؤكداً أن «هذه الخطوات ستدرّ أموالاً طائلة على الصندوق».
إلا أن الاقتراح لم يلق صدى بحجة صعوبة قمع هذه المخالفات بسبب غياب الجهاز الإداري المطلوب لدى البلدية، ما يلقي بتغذية الصندوق البلدي على كاهل المواطنين حصراً عبر رفع الرسوم التأجيريّة، ويزيد إلى أعبائهم عبئاً جديداً.