وسط أوضاع مضطربة وتوقعات مستقبلية متباينة بين كبريات المؤسسات النفطية العالمية، تحدث الأمين العام الجديد لـ«أوبك» هيثم الغيص، في حوار موسع مع «رويترز» حول أوضاع الأسواق، ورؤيته لما هو قادم، كما تطرق إلى رؤيته لما يخص كلاً من روسيا والصين في إطار الطاقة العالمية، موجهاً اللوم لكبار الدول وصناع السياسات فيما وصلت إليه أسعار النفط من اضطراب. وفي الأسواق، تراجعت أسعار النفط، يوم الجمعة، بعد يومين من تسجيلها مكاسب، في سبيلها لتكبد خسارة أسبوعية إثر ضغوط من قوة الدولار ومخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي.
ونزلت العقود الآجلة لخام برنت 97 سنتاً أو بنسبة واحد في المائة، مسجلة 95.62 دولار للبرميل بحلول الساعة 0826 بتوقيت غرينتش. كما سجل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 89.59 دولار للبرميل بتراجع 91 سنتاً، أي بنسبة واحد في المائة. واتجهت عقود الخامين القياسيين لتسجيل خسائر أسبوعية تقترب من 3 في المائة.
وقال محللون في مؤسسة «بي.في.إم»، إن «الركود العالمي وتدميره للطلب في صدارة ومركز المخاوف الحالية نظراً للبيانات الضعيفة القادمة من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين. مؤشرات تباطؤ نمو الاقتصاد مهيمنة وقد تكبح الطلب على النفط».
ومما حد من انخفاض الأسعار، تراجعت مخزونات الخام الأميركية بشدة مع تصدير كمية قياسية بلغت خمسة ملايين برميل من النفط يومياً في الأسبوع الأخير، مع تلقي شركات النفط طلباً من دول أوروبية تسعى لتعويض الخام الروسي. وقال هيثم الغيص، لـ«رويترز»، إنه متفائل إزاء الطلب على النفط في العام المقبل. وأضاف قبل اجتماع سيعقد في الخامس من سبتمبر (أيلول) المقبل، أن «أوبك» حريصة على ضمان بقاء روسيا ضمن تحالف «أوبك» بعد 2022.
وواصلت «أوبك» وحلفاؤها بقيادة روسيا، التنسيق بشأن سياسة إنتاج النفط في ظل ظروف سياسية مضطربة، إذ فرضت الدول الغربية عقوبات على روسيا لإرسالها قوات إلى أوكرانيا في فبراير (شباط)، فيما وصفته موسكو بأنه «عملية عسكرية خاصة».
وقال الغيص إنه على الرغم من التوقعات بأن الإجراءات التي اتخذت ستخفض إمدادات النفط الروسية بحلول نهاية العام، فمن المرجح أن تظل روسيا جزءاً من اتفاق التعاون الموقع بين أعضاء «أوبك» في يوليو (تموز) 2019.
وقال الغيص: «نود تمديد الاتفاق مع روسيا والمنتجين الآخرين من خارج أوبك… من الصعب للغاية بالنسبة لي أن أتخيل أن الاتفاق لن يستمر». وأضاف: «هذه علاقة طويلة الأمد تشمل أشكالاً أوسع وأشمل من الاتصالات والتعاون بين 23 دولة. إنها لا تتعلق فقط بتنسيق الإنتاج».
وأضاف الغيص، الذي تولى منصب الأمين العام لمنظمة «أوبك» هذا الشهر، أن تعويض النفط الروسي «ليس بالمهمة السهلة»، وأن خفض الإنتاج الروسي ستكون له «تداعيات شديدة على المستهلكين». لكنه عبّر عن ثقته بأن السوق ستتكيف. وقال: «مهما كانت الإجراءات التي قد تُتخذ في المستقبل… يمكن للمشترين والبائعين التكيف ويمكنهم دائماً إيجاد سبل ووسائل لإعادة توجيه التدفقات التجارية».
وبدأت روسيا في زيادة إنتاجها النفطي تدريجياً بعد القيود المتعلقة بالعقوبات ومع زيادة مشتريات المشترين الآسيويين، ما دفع موسكو إلى زيادة توقعاتها للإنتاج والصادرات حتى نهاية عام 2025.
كما قال الغيص، لـ«رويترز»، إن تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة يعكس مخاوف من التباطؤ الاقتصادي ويخفي أساسيات السوق الفعلية، بينما عبّر عن وجهة نظر متفائلة نسبياً بشأن التوقعات للسوق لعام 2023 مع تصدي العالم للتضخم المتزايد.
وقال إن الطلب على النفط قوي في السوق الفعلية، وإن القلق من تباطؤ الاقتصاد الصيني مبالغ فيه، مضيفاً أن من المرجح أن يجد الطلب دعماً من استخدام وقود الطائرات مع زيادة السفر.
واقترب سعر خام برنت من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 147 دولاراً للبرميل في مارس (آذار)، بعد أن أجّج الغزو الروسي لأوكرانيا المخاوف بشأن الإمدادات. وانخفضت الأسعار منذ ذلك الحين وسجلت أدنى مستوى لها في ستة أشهر عند أقل من 92 دولاراً هذا الأسبوع.
وقال الغيص، في مقابلة عبر الإنترنت: «هناك الكثير من الخوف… الكثير من التكهنات والقلق، وهذا هو السبب الرئيسي وراء انخفاض الأسعار… بينما نرى في السوق الفعلية الأمور بشكل مختلف جداً. الطلب لا يزال قوياً. لا نزال نشعر بتفاؤل شديد إزاء الطلب، ومتفائلون جداً بشأن الطلب لبقية هذا العام».
وقال الغيص، الذي سبق له العمل لأربع سنوات في الصين: «في الحقيقة المخاوف بشأن الصين غير متناسبة من وجهة نظري… فلا تزال الصين مكاناً مذهلاً للنمو الاقتصادي».
وعدلت «أوبك» وروسيا وحلفاء آخرون فيما يعرف بـ«تجمع أوبك» عن تخفيضات إنتاج النفط القياسية التي نفذوها عام 2020 في ذروة جائحة كورونا، وتعمل على رفع إنتاج النفط بواقع مائة ألف برميل يومياً في سبتمبر.
وقبل اجتماع «أوبك» المقبل الذي ينعقد في الخامس من سبتمبر، قال الغيص إن من السابق لأوانه تحديد ما الذي ستقرره المنظمة على الرغم من أنه أبدى تفاؤلاً حيال التوقعات للعام المقبل. وقال: «أريد أن أكون واضحاً للغاية بشأن هذه المسألة، يمكننا خفض الإنتاج إذا لزم الأمر، ويمكننا كذلك زيادته عند الضرورة… كل هذا يتوقف على كيفية تطور الأمور. لكننا ما زلنا متفائلين، مثلما قلت. نتوقع بالفعل تباطؤاً في نمو الطلب في عام 2023، لكن يجب ألا يكون أسوأ مما شهدناه من قبل».
وقال عن التوقعات لعام 2023: «نعم، أنا متفائل نسبياً… أعتقد أن العالم يتعامل مع ضغوط التضخم الاقتصادية بطريقة جيدة جداً».
من جهة أخرى، قال الغيص إن صناع السياسات والمشرعين وضعف الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز هم من يتحملون اللوم في ارتفاع أسعار الطاقة وليس «أوبك».
وأدى نقص الاستثمار في قطاعي النفط والغاز في أعقاب هبوط الأسعار بسبب «كوفيد – 19» إلى انخفاض كبير في الطاقة الإنتاجية الفائضة لـ«أوبك»، وحد من قدرة المنظمة على الاستجابة بسرعة لمزيد من التعطيلات المحتملة في الإمدادات. ورغم أن الأسعار قد انخفضت كثيراً عن قمتها، فإنها لا تزال مرتفعة، ما أثقل كاهل المستهلكين والشركات على نطاق عالمي.
وقال الغيص: «لا تلوموا أوبك، بل لوموا صناع السياسات والمشرعين لديكم، لأن أوبك والدول المنتجة كانت تضغط من أجل الاستثمار في النفط (والغاز)».
وأفادت وكالة الطاقة الدولية، الشهر الماضي، بأن الاستثمار في النفط والغاز ارتفع بنسبة 10 في المائة عن العام الماضي، لكنه لا يزال أقل بكثير من مستويات 2019، مضيفة أنه يجب تعويض بعض النقص الفوري في الصادرات الروسية عن طريق زيادة الإنتاج من أماكن أخرى.
كما أشار الغيص إلى نقص الاستثمار في قطاع المصب، مضيفاً أن أعضاء «أوبك» زادوا طاقة التكرير لموازنة التراجع في أوروبا والولايات المتحدة. وصرح بأن «أوبك» تهدف لضمان حصول العالم على ما يكفي من النفط، لكن «الأمر سينطوي على تحديات كبيرة وصعوبات شديدة إذا لم يكن هناك استيعاب لأهمية الاستثمار»، مضيفاً أنه يأمل أن «يأخذ المستثمرون والمؤسسات المالية وصناع السياسات أيضاً هذه المسألة على محمل الجد، ويضعوها في خططهم المستقبلية».