رأى كثيرون أن أداء المصارف اللبنانية لم يكن على مستوى الأزمة، أقلّه في التعاطي مع المودعين! فقد شهدنا العديد من ردّّات الفعل غير المؤاتية لموظفين في قطاع مشهود له بالحرفية وصُنّفّت مصارفه على لائحة المصارف الخمسمائة الأولى في العالم. وكثرت الأصوات التي نددّّت بالأخطاء التي شابت عمل المصارف وقرارات القيمين عليها نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قرارالإقفال في الأسبوعين الأولين من إنطلاق موجة الإحتجاجات في 17 تشرين الأول عام 2019 وهو ما خلق تهافتاً غير مسبوق على الودائع، لا يستطيع أي قطاع مصرفي في العالم تلبيته. الجدير ذكره أنه في عزّ الحرب، لم تُقفل المصارف اللبنانية أبوابها، حتى خلال عدوان تموز 2006، إذ أقفلت المصارف أبوابها فقط ثلاثة أيام ثم أعادت فتح أبوابها.
غالب المودعين لا يفقهون العلم المصرفي، وجل ما يعرفه البعض أنه إئتمن المصرف على أمواله وبالتالي يُرُيد إستعادتها نظراً لقدسيتها بالنسبة إليه. هذه القدسية المضمونة في الدستور اللبناني، دفعته إلى سحب الأموال ووضعها في المنازل حيث أخذ الطلب على الدولار الأميركي في الإرتفاع بشكل غير مسبوق .س حب الودائع بدأ عمليًاً بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي قبل بدء الأزمة ببضعة أشهر ويُضُاف إلى ذلك تحويل الليرة إلى دولار أميركي خارج القطاع المصرفي مما خلق سوقًاً سوداء فرضت نفسها بوجود الطلب من قبل المودعين والتجار والعرض من المضاربين.
لم يكن أداء السلطات الرسمية على قدر مستوى الأزمة هو أيًضًا، فقد تأّخّر قانون الكابيتال كونترول الذي كان يتوّجّب فرضه منذ اللحظات الأولى من الأزمة ولفترة محدودة وذلك بهدف تهدئة النفوس ومنع المضاربة وتهريب الأموال. إلا أن ذلك لم يحصل حتى الساعة وهذا ما سمح ـ ويسمح إلى وقتنا هذا ـ لبعض أصحاب النفوذ تهريب الأموال إلى الخارج ويسمح أيضا للمصارف بالتعاطي مع المودعين بإستنسابية مُرُيبة وللمضاربين بإستكمال أعمال المضاربة بكل حرّية .
أين ودائع اللبنانيين بالعمّلّة الصعبة؟ هل تبخّرّت كما يُقال؟ وهل سيتمكّنّ المودعون من إستعادتها؟ هذا ما سنُحُاول الإجابة عليه في هذا المقال.
أرقام مصرف لبنان تشُير إلى أن الودائع بالعملات الصعبة (مُعُظمها بالدولار الأميركي) إرتفعت من 106.9 مليار دولارأميركي في كانون الثاني 2017 لتصل إلى أعلى مُسُتوى لها في شهر آب 2019 مع 3.123 مليار دولار أميركي، لتخفض بعد بدء الأزمة إلى 111.5 مليار دولار أميركي في تشرين الثاني 2020 أي أنها إنخفضت بقيمة 11.8 مليار دولار أميركي في فترة 14 شهراً.
بالطبع هناك العديد من الخطوات الأخرى التي من الواجب القيام بها وعلى رأسها تأمين شبكة أمان إجتماعي للمواطن اللبناني المهُّدّد بأزمة أخطر من الأزمة الحالية.
ختامًاً لمن يقول أن الخروج من الأزمة مُسُتحيل، نضع بين يديه مثالاً حياً ألا وهو أن شركة كشركة مايكروسوفت الأميركية والتي تفوق قيمتها التريليون دولار أميركي، أصولها الأساسية هي برامج كومبيتر، فكيف حال دولة مع أصول عديدة مثل الدولة اللبنانية؟ ألا يُمُكنها أن تكون في وضع أفضل؟ بلى، هذا ممكن، شرط نفي الفساد غير الممكن.