“أن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألا تأتي أبدًا”، هذه العبارة تنطبق اليوم على الواقع اللبناني المأزوم، الذي لجأ مؤخراً الى طلب المساعدة رسمياً من صندوق النقد، بعد ان وضعت الحكومة خطة انقاذية، تهدف الى انتشال لبنان من انهياره.
فهل تأخرت الحكومة في طلب المساعدة؟ وهل يستطيع صندوق النقد انقاذ لبنان من الانهيار ؟
يؤكد مصدر رفيع لـ “الاقتصاد” ان ” لبنان تأخر كثيراً في طلب المساعدة من صندوق النقد، وهذا الأمر كبده خسائر اقتصادية ومالية كبيرة وأزمات اجتماعية عديدة، ولكن “أن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألا تأتي أبدًا”. اليوم وبعد ان تقدمت الحكومة رسمياً بطلب المساعدة، نقول للبنانيين، لا تفرحوا كثيراً بصندوق النقد، فهو ليس جمعية خيرية، وهو لا يملك عصا سحرية لانقاذ لبنان من انهياره، لأن القرار الأول والأخير هو بيد الحكومة اللبنانية والقوى السياسية، وذلك عبر تطبيق الاصلاحات الموجودة في الخطة بعيداً عن المحاصصات السياسية والطائفية السائدة في البلاد”.
يتابع المصدر: ” لقد رحبت مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجيفا بخطة الاصلاح الجديدة، ولكن هذا لا يعني ان الصندوق قد وافق عليها دون مناقشة كل بند فيها، خصوصاً البنود المتعلقة بالشق الاصلاحي، لذلك ستكون هناك مناقشات طويلة بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد للوصول الى برنامج محدد وواضح”.
يضيف : ” نجاح الحكومة في انقاذ الاقتصاد، لا يبدأ بالتوقيع مع الصندوق كما يروج البعض، انما يبدأ مع أول اصلاح حقيقي تنفذه الحكومة، لأن صندوق النقد لن يضخّ الأموال دفعة واحدة انما على مراحل، وبعد مراقبة دقيقة لعمل الحكومة في كيفية تطبيق البرنامج المتفق عليه، وفي حال لم تُطبق الاصلاحات كما يجب، فحتماً سيتوقف الصندوق عن دعمنا، وهنا تكمن الكارثة الكبرى، خصوصاً وان لبنان لم يلتزم يوماً بتطبيق مشاريع اصلاحية حقيقية”.
يختم المصدر: ” هذه فرصة لبنان الأخيرة، ان نجح فيها سيكون امامه خمس سنوات من الصعوبات كي يستعيد عافيته، وسيلمس اللبنانيون تحسناً تدريجياً مع انتهاء كل عام، اما اذا فشل لسبب او لآخر فسنكون حتماً امام كارثة حقيقية ومستقبل مجهول”.
اذا، ًينتظر لبنان ردّ صندوق النقد الدولي ليبداً محادثاته، في ظلّ تخوف البعض من امكانية رفض الصندوق طلب لبنان بحجة تخلفه عن تسديد سداد سندات اليوروبوند في آذار الماضي.
مخايل: سيكون برنامج صندوق النقد من أصعب البرامج التي وضعها في العالم
في هذا السياق، يستغرب الخبير الاقتصادي والمالي مروان مخايل الحديث عن امكانية رفض الصندوق طلب لبنان بحجة تخلفه عن تسديد سداد سندات اليوروبوند في آذار الماضي، ويقول لـ “الاقتصاد”: ” في الحقيقة لا أرى سبباً لرفض طلب الحكومة اللبنانية كما يُشاع، اما بالنسبة لموضوع تخلف لبنان عن دفع استحقاق اليوروبوند فقد كان لمصلحتنا في هذه المرحلة،خصوصاً واننا لا نملك المال الوفير لسداد هذا الاستحقاق اولاً، اضافةً الى ان هناك اولويات طغت على موضوع سداد اليوروبوند، وباعتقادي ان الدائنين لن يرضوا بحلّ جذري لهذا الموضوع الا بوجود صندوق النقد”.
يضيف : ” لقد قامت الحكومة بخطوة جيدة تمثلت باعداد خطة اقتصادية وارسالها الى صندوق النقد طالبةً مساعدته، واليوم نحن بانتظار الردّ كي تبدأ المباحثات، وباعتقادي سيكون برنامج صندوق النقد تجاه لبنان من أصعب البرامج التي وضعها الصندوق في العالم، لأن وضع لبنان كارثي، فالدولة مفلسة، وكذلك الأمر بالنسبة لمصرف لبنان والمصارف، وبالتالي الأمور معقدة للغاية اليوم، هذا فضلاً عن أزمة سعر الصرف الموجودة، والخروج من هذه الأزمات يتطلب الكثير من الجهد داخلياً، والكثير من الوقت”.
مخايل يؤكد انه اذا سارت الأمور دون عراقيل بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد، فلن تُضخ الأموال قبل 8 أشهر على الأقلّ، لأن الصندوق سيراقب بطبيعة الأحوال الاصلاحات المُتفق على تطبيقها في البرنامج، وسيقوم بتقييمها قبل أن يدفع اي دولار، وبالتالي العملية ليست بهذه السهولة، ولكن بمجرد التوقيع مع الصندوق، هذا الأمر سيكون له انعكاسات ايجابية لناحية بقية الدول المانحة تجاه لبنان وبالتالي هذه الأمور من شأنها ان تُحدث صدمة ايجابية في الأسواق، مما قد يُعيد الثقة بلبنان مجدداً، ولكن يبقى الأهم من هذا كله هو تنفيذ الاصلاحات”.
وعن امكانية نجاح هذه السلطة في تطبيق الاصلاحات المطلوبة، خصوصاً وان التجارب الماضية تؤكد تخلف لبنان الدائم عن تنفيذ وعوده، يقول: ” باعتقادي هذه المرة سيكون الوضع مختلف عن المرات السابقة، كوننا لا نملك خياراً آخر، اضافةً الى ان الحكومة الموجودة هي من لون واحد وتريد الانجاز بأي ثمن والا ستكون امام مشكلة كبيرة، ومن هذا المنطلق اعتقد ان لبنان سيقوم بالاصلاحات المُتفق عليها، ولكن لا شك بأن هذه الاصلاحات ستأخذ وقتاً، كونها ستُناقش في مجلس النواب، لان موضوع الاصلاح يتطلب مناقشات، واقرار قوانين، ولكن العبرة تبقى في تنفيذ هذه القوانين”.
اما فيما يتعلق بموضوع تحرير سعر صرف العملة كأحد شروط الصندوق الأساسية لمساعدة لبنان، يؤكد مخايل ان “هذا الأمر غير دقيق، لقد عقدنا اجتماعاً مع ممثلي الصندوق في لبنان ولم يذكروا هذا الموضوع، بالنهاية هناك مسار تفاوضي طويل بين الصندوق والحكومة، للاتفاق على الخطوات التي تتناسب مع وضع لبنان الحالي ومع رؤية الصندوق، وباعتقادي ان مصرف لبنان لن يعدّل سعر الصرف في المدى المنظور، فهناك العديد من المواطنين عليهم قروض بالدولار وفي حال تم تحرير سعر الصرف فهذا يعني ان القروض المتعثرة ستزداد بشكل كبير، لأن المواطن لن يعود قادراً على تسديد مستحقاته في ظلّ تدني قدرته الشرائية الى نحو 50 في المئة”.
يختم مخايل حديثه بالقول: ” الى ان يتم الاتفاق مع صندوق النقد وتبدأ ترجمته الفعلية على ارض الواقع، هناك تحدٍّ كبير امام الحكومة من جهة عبر تأمين شبكة أمان اجتماعي بأسرع وقت، وامام المواطنين من جهة أخرى عن طريق اعطاء هذه الحكومة فرصة لتحقيق الاصلاحات المطلوبة، فهذه المرّة الأولى الذي يسلك فيها لبنان الطريق الصحيح الذي لطالما نادينا به وهو وضع خطة انقاذية واللجوء الى صندوق النقد، اما اذا فشلت الحكومة في تطبيق الاصلاحات فباعتقادي سيكون هناك شيء أكبر من ثورة على الأرض”.