إبعاد الصندوق السيادي عن وزارة المالية… بسبب سمعتها السيئة!

حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة تشريعيّة في 17 آب على جدول أعمالها إقرار قانون الصندوق السيادي. ما هو هذا الصندوق؟ لحظت المادّة الثالثة من قانون الموارد البترولية في المياه البحرية رقم 132/2010 ضرورة إنشاء صندوق سيادي لإيداع جميع العائدات المتأتية من الأنشطة البترولية بالإضافة إلى الضرائب والرسوم المحصّلة في هذا المجال. في المبدأ، من شأن هذا الإجراء تمكين الدولة اللبنانيّة من إدارة عائدات مواردها البتروليّة بالإستناد إلى مبادئ وأسس واضحة وشفافة ومستقلّة، من خلال تحويل تلك الموارد إلى أصول ماليّة تساهم في تنمية الإقتصاد الوطني وحماية حقوق الأجيال الحاليّة والقادمة على حد سواء.

مقاربة لجنة المال والموازنة

بعد مسار طويل من النقاشات وبعد الإستعانة بخبراء محليّين وعالميّين من بينهم خبير متخصّص بإنشاء الصناديق السياديّة في العالم وهو نروجي، توصّلت لجنة المال والموازنة إلى اعتماد صيغة نهائيّة لإقتراح قانون الصندوق السيادي الذي ما زالت بعض بنوده تحتاج إلى الحسم بسبب تعدّد الآراء حولها. حسبما أعلن النائب آلان عون الذي أشار لـ»نداء الوطن» أنه تمّ الاتفاق على أن يتم حسم النقاط العالقة خلال المناقشة في الهيئة العامة، بعدما تضمن تقرير رئيس لجنة المال المرفق بالقانون الإشارة إلى تلك النقاط».

ربط الصندوق قانونياً بمجلس الوزراء

يُعتبر الصندوق مؤسسة عامة ذات طابع خاص، لا تخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال والرقابة التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام «باعتبارها تحتوي أموالاً عامة يملكها الشعب اللبناني، وبالتالي فهي ملك للدولة اللبنانية وليس للسلطة السياسية». كذلك تتمتع بالشخصيّة المعنوية وبالإستقلالين الإداري والمالي وتتمتع بأوسع الصلاحيات بالنسبة إلى صياغة تفويض الإستثمار (الذي يحدّد المبادئ والتوجيهات لإستثمارات الصندوق والتعليمات لإدارة أمواله). «ذهبنا إلى رابط قانوني يتمثّل بمجلس الوزراء وليس إلى وصاية، وذلك بهدف تعيين مجلس إدارة الصندوق فنحن بالنهاية بحاجة لطرف كي يعيّن». وهذا بحسب تصريح رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان.

هيكليّة الصندوق

يتولّى إدارة الصندوق مجلس إدارة مؤلف من ثمانية أعضاء لبنانيين من ذوي الخبرة يتم تعيينهم من قبل مجلس الوزراء. كيف سيقوم مجلس الوزراء بتعيين مجلس الإدارة ويكون هذا الأخير مستقلاً؟ تشير المادة 7 المقترحة إلى وضع قيود، بحسب النائب كنعان، «كي نكفل إستقلالية الصندوق وعدم التدخل السياسي». بحيث يتم التعيين بناءً على لائحة من المؤهلين يقترحهم مجلس الخدمة المدنيّة بالتعاون مع مؤسسة توظيف دولية خاصة، وفقاً لشروط محدّدة وخبرات متعدّدة ويضعهم ضمن لائحة ليصار إلى التعيين من بينهم في مجلس الوزراء. على أن تنشأ لدى الصندوق ست وحدات إدارية يحدّد مهامها وصلاحياتها النظام الداخلي للصندوق، فضلاً عن صلاحية مجلس الإدارة بتشكيل لجان استشارية بمواضيع خاصة.

حوكمة الصندوق

يقوم مجلس الإدارة بتنفيذ تفويض الإستثمار الذي يخضع لموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس النواب سنوياً. ويحق له إقتراح تعديل التفويض أو إدخال ملاحق عليه على أن تعرض على مجلس الوزراء ومجلس النواب مجدداً للموافقة. وفي هذا الإطار يعتبر كنعان أن هذه الإجراءات تسمح بالإلتزام بقواعد الحوكمة في ما خص مجلس الإدارة الذي يملك صلاحية إعداد نظامه الداخلي ورفعه إلى مجلس الوزراء. وبالتالي فلمجلس الإدارة دور بخبراته التقنيّة العالمية بإعداد كيفية عمل وسير هذا المجلس.

تكوين الصندوق من محفظتينبحسب المادّة 6 المقترحة، يتكوّن الصندوق من محفظتين محفظة الإدخار والإستثمار ومحفظة التنمية. بحيث ترمي محفظة الإدخار والإستثمار إلى زيادة واردات الصندوق من خلال القيام بمشاريع استثمارية مع الحفاظ على تنمية رأس مال الصندوق لصالح الأجيال القادمة. بينما تهدف محفظة التنمية إلى الإستفادة من جزء من العائدات الضريبيّة لإقامة مشاريع تنمويّة منتجة مقرّة في الموازنة، والجزء الآخر لإقامة استثمارات ماليّة ذات سيولة مرتفعة وذات مخاطر معتدلة تؤدي إلى خفض مستوى الدين.

قواعد الإيداع والسحب

بحسب المادّة 12 المقترحة، تودع في محفظة الإدخار والإستثمار جميع واردات الدولة من الأنشطة البترولية باستثناء العائدات الضريبية. إذ لا يجوز السحب من هذه المحفظة إلا وفقاً للشروط المحدّدة في تفويض الإستثمار على أن لا تقلّ نسبة الإستثمار خارج لبنان عن 75% من مجموع أصولها وعائداتها.

أمّا محفظة التنمية فتودع فيها العائدات الضريبيّة المتأتية من الأنشطة البترولية بهدف حفظها واستثمارها، على أن يسحب جزء منها لغايات إنمائية ويفتح لها حساب خاص في مصرف لبنان. بحيث لا يجوز السحب من هذه المحفظة خلال سنة ماليّة معيّنة إلا في حال إقرار موازنة الدولة حسب الأصول، بحيث تلحظ فيها المبالغ المقرّر سحبها بشرط ألا تتجاوز قيمة هذه المبالغ ثلث إجمالي أصول المحفظة.

ربط العائدات بديون الدولة

مع الإشارة إلى أنه يحظر إستعمال أموال الصندوق في المحفظتين لتسديد ديون الدولة، إلا إذا أظهر قطع حساب الموازنة فائضاً أولياً في وارداتها على نفقاتها، فيمكن عندها إستخدام عائدات محفظة التنمية حصراً لهذا الغرض. إلا أن هذه ما زالت فكرة وهي متروكة للإتفاق عليها خلال المناقشة في الهيئة العامة، باعتبار أن الفكرة الأولى التي قامت بتبنيها اللجنة الفرعية تحظر بشكل كامل وجود أي علاقة للصندوق بالدين حتى في حال وجود فائض.

المراقبة والشفافيّة

يسمح الإقتراح من خلال المادة 10 منه بإخضاع حسابات الصندوق وأداء إدارته لمدقق خارجي مستقل ومعترف به دولياً. بحيث يعيّن مجلس الوزراء مدققاً خارجياً لمراقبة حسابات الصندوق (مدقق حسابات)، ويحق لديوان المحاسبة بالإضافة إلى ممارسة رقابته المؤخرة على الصندوق تعيين مدقق خارجي لمراقبة مهام إدارة الصندوق (مدقق مهام).

كما تخضع بحسب المادّة 20 المقترحة إدارة الصندوق وإستثماراته وحساباته لمبدأي الشفافية والعلنيّة، وذلك عن طريق نشر التقارير وجميع المعلومات المتعلّقة باستثمارات الصندوق وعمله على الموقع الإلكتروني للصندوق.

وتعقيباً على قانون الصندوق السيادي المقترح، تشير متابعات بعض المصادر المختصّة والمعنيّة بقطاع النفط والغاز في لبنان إلى وجود ثغرات وملاحظات كبيرة على المشروع المقترح، تصلح لأن تكون موضوع نقاش واسع مع السلطات المعنيّة قبل إقرار القانون في مجلس النواب وذلك تفادياً لأي مشاكل في المستقبل.

ربط الصندوق بجهة الوصاية

تشير المصادر المتابعة لـ»نداء الوطن» إلى أن ربط الصندوق مباشرة بمجلس الوزراء يعتبر غير مناسب وغير صحّي، «إذ يجب أن يكون هناك دور لوزارة الماليّة بغض النظر عن الإعتبارات السياسيّة ( ومع حوكمة غير التي في الوزارة حالياً)، فالممارسات السليمة والصحيحة تظهر أربعة أوجه للحوكمة وتتمثّل بمجلس الإدارة، وزارة المالية، مجلس الوزراء ومجلس النواب. فإستراتيجية الإستثمار (Investment Strategy) تقوم عادة بإعدادها وزارة الماليّة بالتنسيق مع الصندوق وتحال إلى مجلس الوزراء الذي يرفعها بدوره إلى مجلس النواب حيث تصدر بقانون. فهذه الإستراتيجية هي المظلّة التي سوف يقوم الصندوق بتنفيذها. فلماذا لا تكون الصلة بين الصندوق ومجلس الوزراء من خلال وزارة الماليّة التي تملك المرونة التشغيليّة؟ فتعاطي الصندوق بحسب تقدير المصادر لا يجب أن يكون مباشرة مع مجلس الوزراء». مصادر معنية أكدت ان ابعاد وزارة المالية عن الصندوق هي لسبب وحيد: سمعة هذه الوزارة التي تلطخت وكانت أكبر شاهد زور على الأزمة، لا بل انها من الجهات الاساسية التي فاقمت تداعيات الازمة المالية الكارثية التي يعيشها لبنان حالياً. كما استغربت المصادر المتابعة الحديث المبكر عن وجهة استخدام الصندوق والتفاصيل المتعلّقة بتخصيص محفظتين وبتحديد الإستثمارات في الداخل وفي الخارج، وعن نسب معينة 75% و20% قبل التأكد من المردود. «فالدولة اللبنانية لن تحصل على عائدات فعليّة قبل 7 أو 8 سنوات، وحتى الحديث عن تخفيض الديون مستغرب. فما هو الهدف اليوم أن نبدأ بوضع خطط لعشر سنوات إلى الأمام في الوقت الذي لا نعرف ما هي الإستثمارات وما سيكون عليه حجم الدين؟ إذ لا يجب أن يكون هذا الحساب ضمانة لأي دين».

تكوين الصندوق من محفظة واحدة

بحسب المصادر، «تُعتبر الصناديق السيادية وفقاً للتعريف الرائج عالمياً، مجموعة أصول مملوكة من الدولة ومنشأة لغايات الإقتصاد الكلي، وبالتالي لا يجب ربطها فقط بمحفظة إدّخار وتنمية. لذلك، يجب أن تندرج أهداف الصندوق ضمن إستراتيجية إقتصادية شاملة للدولة اللبنانية تقوم على سياسة واضحة. من هنا، يجب أن يتكوّن الصندوق من محفظة واحدة فقط بغضّ النظر عن طريقة السحب».

إدخال ملاحق على تفويض الإستثمار

أكدت المصادر المتابعة أنه «لا يمكن لمجلس الإدارة أن يقوم بإدخال ملاحق على تفويض الإستثمار لأنّ هذا التفويض يشتمل على مبادئ عامّة تستند إلى الإستراتيجية العامّة للإستثمار التي يقرّها مجلس النوّاب. كما أنّ تفويض الإستثمار لا يتناول إستثمارات محدّدة وبالتالي لا مجال للقول بأنّه يمكن في الحالات المستعجلة الطارئة إدخال ملاحق على التفويض».

قواعد السحب وأهداف الصندوق

بحسب المصادر «يجب أن تكون قواعد السحب متلائمة مع سياسة الإقتصاد الكلّي وهي بحاجة للنقاش حيث لا يمكن تحديد نسبة السحب منذ الآن. يجب أن يتمّ الإنفاق من أجل التنمية وغيرها من الإستثمارات المحليّة من خلال الموازنة العامّة وليس من خلال الصندوق السيادي، وذلك لأنّ السماح بالإستثمار المحلّي من خلال الصندوق من شأنه أن يحوّله إلى موازنة مستقلّة عن الموازنة العامّة، الأمر الذي يتعارض مع مبدأي الشفافية والمساءلة». كذلك، «يجب أن تكون جميع الإستثمارات خارجية لغايات تحقيق أهداف الصندوق ويجب أن يتمّ أي إستثمار داخلي من خلال الموازنة العامّة».

منعم: في العجلة دعاية سياسية لبيع الناس «سمكاً في البحر»!

ديانا منعم المديرة التنفيذية لمنظمة «كلنا إرادة» قالت لـ»نداء الوطن» أن مجمل البلدان التي قامت بإنشاء صناديق سيادية عمدت إلى تأسيسها بعدما علمت بحجم المداخيل التي من المتوقع أن تتأتى من إستغلال النفط والغاز، وكذلك الغرض من إستخدام تلك العوائد وتوجيهها الوجهة المطلوبة. مع الإشارة إلى أنه في الحالة اللبنانية لم يحصل بعد أي إكتشاف تجاري. وبالتالي لماذا نعمل اليوم على تمرير القانون قبل أن نتأكد من وجود إكتشاف تجاري وحجم المردود المتوقع منه، والأهم وجهة إستعمال هذا المردود؟ فأهداف الصندوق غير واضحة لغاية اللحظة».

واعتبرت منعم أن «هناك عجلة غير مبرّرة لأن الإستراتيجية غير واضحة والمردود غير واضح. فسبب هذه العجلة يتلخّص بأمرين الأول يكمن في بيع الناس سمكاً في البحر كجزء من برنامج دعاية سياسية تهدف إلى تصوير قطاع النفط والغاز على أنه القطاع المنقذ في البلد، أمّا الثاني والذي يشكّل الخطر الأكبر يتلخّص بسوء إستخدام أي موارد ستدخل إلى هذا الصندوق».

وتابعت: «ناهيك عن الصورة السياسية الأكبر المرتبطة بغياب الثقة بالطبقة السياسية الموجودة لجهة إدارتها هذه الموارد الحيويّة، فمن الواضح أن إقتراح القانون لا يستوفي الشروط المذكورة بخاصة من ناحية الحوكمة والشفافية».

مصدرنداء الوطن - باسكال مزهر
المادة السابقةبعد سلامة… الدور على مصرفيِّين فاسدين
المقالة القادمةالتدقيق الجنائي… وكيفية المحاسبة وردّ الحقوق لأصحابها