لم يستفد لبنان خلال السنوات الماضية من كلّ التطورات التي كان من الممكن أن تضعه أمام فرصة جديدة على الاصعدة كافة. ولم يعرف أيضاً كيف يعود الى دائرة الاهتمام ولا حتى كيف يرفع من أسعار بلوكاته. ورغم الاكتشافات، والاثباتات على اختزانه كميات ضخمة من النفط، لا يزال لبنان معزولاً عما يجري في الساحة الاقليمية، في حين يُفترض أن يكون معنياً بكل ما يحصل من حوله بدلاً من اتّخاذ دور “الزوج المخدوع”. السؤال المكرر: ماذا سيكون مصير مياه لبنان الاقليمية المتاخمة للحدود في فلسطين المحتلة والتي لا تزال موضع نزاع حدودي مع إسرائيل؟ وبعد تحالف اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر بقيادة واشنطن واتفاق ضمني أوروبي وغضّ نظر روسي من خلال توقيع اتفاق لمد خط أنابيب تحت البحر بطول 1900 كيلومتر لنقل الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، هل حُكم على لبنان بالبقاء خارج الخريطة الاقليمية لتصدير منتجاته النفطية وخسارة التنافسية في هذا القطاع؟!
إن بقي لبنان خارج هذا الاتفاق، وهو أمر مرجّح على ضوء التوتر بين إيران والمجتمع الدولي، فلا شكّ أن كلفة نقل غازه ستكون مرتفعة بما أنه سيتحتّم تسييل هذا الغاز لتتم عملية نقله، فيما كلفة نقل الغاز المسيّل المنقول بالناقلات أغلى بكثير مقارنة بنقل الغاز الطبيعي باستخدام خطّ الأنابيب. هذا وتضاف معضلة التنافسية التي قد تُخسر لبنان الكثير في حال بقي خارج هذا التحالف لصعوبة وصوله الى السوق الاوروبية “وحيداً”.
في المقابل، تساند تركيا السراج في ليبيا كي تتمكن من الفوز بموقع تفاوضيّ في ما خصّ هذا الأنبوب الاستراتيجي، الذي سيمرّ عبر المياه الاقليمية وهذا ما يشكلّ مصدراً للتوتر في المنطقة.
لقد نشأت أوروبا على اتفاقيات الفحم والمعادن، من هنا فإنّ حلّ سلام مستدام في المنطقة لا بدّ من أن يمر في التفاهم على ملف النفط والغاز، الذي تسبب بالكثير من الصراعات أكان بين لبنان واسرائيل، أم بين تركيا ومن ورائها روسيا، وبين قبرص واليونان ومن ورائهما مصر والاتحاد الأوروبي وأميركا.
تأتي هذه الخطوة (اتفاق خط أنابيب “شرق المتوسط”) وسط توترات مع تركيا بشأن أنشطتها في المنطقة واتفاقها البحري المثير للجدل مع ليبيا، بالتزامن مع توسيع مطالبات أنقرة بالاستحواذ على مساحة كبيرة من الغاز في البحر. ورغم معارضة تركيا المشروع، تهدف الدول الثلاث للتوصل إلى قرار نهائي بشأن تفاصيل الاستثمار في 2022 وإتمام خط الأنابيب بحلول 2025.
وفي التفاصيل، فقد اتفقت حكومات أوروبية مع إسرائيل العام الماضي على المضي قدماً في المشروع المعروف باسم “إيست – ميد”، وهو مشروع خط أنابيب تتراوح تكلفته بين ستة الى سبعة مليارات دولار من المتوقع أن ينقل مبدئياً عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً من إسرائيل والمياه الإقليمية القبرصية مروراً بجزيرة كريت اليونانية إلى البر اليوناني الرئيسي وصولاً لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا. ومن المتوقع أن يعزّز هذا المشروع، الروابط الرئيسية لقبرص واليونان وإسرائيل برعاية أميركية في سلسلة إمدادات الطاقة في أوروبا، وفي الوقت عينه، إعاقة جهود تركيا في بسط سيطرتها على شرق البحر المتوسط.
وسيتمكن خط أنابيب ” EastMed” البالغ طوله حوالى 2000 كيلومتر (1200 ميل) من نقل ما بين 9 و 12 مليار متر مكعب سنوياً من احتياطي الغاز البحري بين إسرائيل وقبرص إلى اليونان، ثم إلى إيطاليا ودول جنوب شرق أوروبا الأخرى.
وأثار اكتشاف احتياطيات الهيدروكربونات في شرق البحر المتوسط تدافعاً على ثروات الطاقة وخلافًا بين قبرص وتركيا التي تحتل شمال الجزيرة المتوسطية. حيث أثار احتياطي الغاز والنفط قبالة قبرص نزاعاً مع تركيا (وبين هذه الاخيرة وجمهورية مصر العربية) التي يحتل جيشها الثلث الشمالي من هذه الجزيرة العضو في الاتحاد الأوروبي. بمقابل ذلك، كانت جمهورية قبرص قد وقّعت، في أوائل تشرين الثاني أول اتفاق لاستثمار الغاز مع اتحاد شركات مؤلف من شركة شل الأنكلو – هولندية وشركة نوبل الأميركية وديليك الإسرائيلية.
لكن أنقرة، التي تعارض حق جمهورية قبرص في استكشاف موارد الطاقة واستغلالها، عمدت الى إرسال سفن التنقيب إلى المنطقة الاقتصادية الحصرية لقبرص على الرغم من تحذيرات وجّهتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
منذ العام 2009، جرى اكتشاف عدد من حقول الغاز الضخمة في شرقي البحر المتوسط، لكن المنطقة تفتقر إلى بنية تحتية مخصّصة للنفط والغاز، كما أن العلاقات السياسية بين قبرص واليونان ومصر وإسرائيل ولبنان وسوريا، في توتر متفاوت ومستمر. ويأتي التوقيع لمد خط أنابيب إيست – ميد بعد أسابيع من إبرام تركيا وليبيا اتفاقاً لتعيين الحدود البحرية في المتوسط، في خطوة عارضتها اليونان وقبرص وإسرائيل.
في هذا الصدد، يقول محللون إن الاتفاق قد يشكّل عائقاً أمام خط الأنابيب المقترح الذي سيتعيّن مروره عبر المنطقة الاقتصادية التركية – الليبية المزمعة. ولأن المصدر الجديد للطاقة لن يتنافس مع الإمدادات الروسية إلى الاتحاد الأوروبي، يعتبر عدد من المحللين أنه “لا يوجد سبب لرؤيته كتغيير كبير في الديناميكية الجيوسياسية في سوق الطاقة في أوروبا”.