نظرياً، لخروج روسيا من نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، والذي يُختَصَر بالأحرف الأولى من عبارة Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication، تأثيرات سلبية على الاقتصاد الروسي. ذلك أن تعاملاتها الدولية عبر البنوك والمؤسسات المالية العالمية ستتوقّف. ما يؤثّر على إيراداتها المتأتّية من كبريات الشركات والدول، لقاء بيع موسكو الغاز والمعادن والقمح… وما إلى ذلك.
على أنّ مقاربة الموضوع نظرياً تختلف عن الواقع. فاستعجال إخراج روسيا من نظام SWIFT يضرّ بمصالح الاتحاد الأوروبي وأميركا أيضاً، لأن عدم تمكّن روسيا من تحويل الأموال وقبض مستحقاتها، يعني توقّفها عن إمداد أوروبا والولايات المتحدة وأغلب دول العالم بما تحتاجه، وخاصة الغاز الذي تعتمد عليه أوروبا في الصناعات والتدفئة. ودول الاتحاد الأوروبي حريصة على استمرار تدفق الغاز، تماشياً مع مفهومها للصناعات الصديقة للبيئة. كما أن بدائل الغاز الروسي، وخصوصًا الغاز القطري، غير متوفرة بعد، لا لناحية الكميات المطلوبة، ولا السرعة في إيصالها إلى أوروبا.
ولذلك، فإن “إخراج روسيا من نظام السويفت ليس حلاً منطقياً، لأنه يعني إطلاق الولايات المتحدة وأوربا النار على نفسها أيضاً”، وفق ما يقوله أحد المستثمرين اللبنانيين في روسيا، ويشير في حديث إلى “المدن”، إلى أن “تنفيذ القرار الأميركي- الأوروبي قد يكون مجتزءاً، كأن يتم إخراج بعض المصارف والمؤسسات الروسية من النظام، والإبقاء على أخرى لضمان الحد الأدنى من تسيير مصالح الدول الغربية، لأن هذه الدول لا تستطيع شل الحركة التجارية على مستوى العالم”.
ويستغرب رجل الأعمال اللبناني رفع سقف التوقّعات حيال تضرر استثمارات اللبنانيين في روسيا. فهذه الاستثمارات “ضئيلة جداً ولا يمكن الحديث عنها بشكل منفصل وكأنها مؤثّرة في الاقتصاد الروسي أو الاقتصاد اللبناني. وهذه الاستثمارات غير مهددة أبداً”.
وعن تداعيات إخراج روسيا من نظام السويفت على أموال اللبنانيين في روسيا، يقول رجل الأعمال إن “الموقف العام من إخراج روسيا، ينسحب على المستثمرين اللبنانيين. فكما لا يمكن إخراج روسيا، لا يمكن تحويل المستثمرين اللبنانيين – كما غيرهم – إلى تجّار شنطة يُدخلون أموالهم ويخرجونها في حقائب، كما تشهد دول افريقيا وإيران وغيرها من الدول التي ينخرها الفساد”.
ورجال الأعمال اللبنانيين في الاتحاد الفيدرالي الروسي لا يبسطون سيطرتهم على أراضي الاتحاد، ويكاد لا يلحظهم الروس قياساً لحجم الاقتصاد والأعمال في البلاد. والاعمال اللبنانية في روسيا “ترتكز في العاصمة موسكو وفي مدينة سانت بطرسبرغ التي تُعتبر من أكبر المدن الروسية وأكثرها نشاطاً. والمدينتان هما عصب الحياة الاقتصادية الروسية وبعيدتان عن مجريات الحرب التي لن تصيب تداعياتها العمق الروسي. حتى أن التصعيد الغربي على المستوى الاقتصادي، لن ينتقل إلى مرحلة التنفيذ، على الأقل كما يُصَوَّر إعلامياً”.
على عكس روسيا، يتخوّف رجل الأعمال من تأثير الحرب على المستثمرين اللبنانيين في أوكرانيا، “لكن هذا الخوف لم يدخل مرحلة جدية أو مقلقة بعد، على عكس ما يلقاه الطلاب الذين يعتمدون بشكل كامل على التحويلات المالية من ذويهم”. وتجدر الإشارة إلى أن استثمارات اللبنانيين في روسيا تتمحور حول “المطاعم وتجارة المواد الأولية. أما في اوكرانيا فأغلب الاسثمارات في المطاعم. ولهذا السبب أيضاً يتأثر اللبنانيون في أوكرانيا أكثر منهم في روسيا”.
والحديث عن إقفال الطرق في وجه المستثمرين اللبنانيين في روسيا، غير واقعي “إلاّ إذا أُقفِلَت الطرق على الاقتصاد الروسي ككل، وتحويل روسيا بأكملها إلى تاجر شنطة. وهذا أمر مستحيل طالما أن أوروبا تعتمد على روسيا في الحصول على الغاز والكثير من الصناعات الحيوية، ومنها المعادن المستعملة في صنع الرقائق الإلكترونية التي تدخل في صناعة السيارات والمعدات الإلكترونية المتحكمة في كل الصناعات التكنولوجية المتطورة. ولن تغامر أوروبا في تعريض صناعاتها للخطر”. علماً أن أسعار النفط والغاز في العالم ارتفعت مع بداية الحرب، ولن يحتمل النظام العالمي المزيد من الارتفاع ولفترة زمنية طويلة.