لم يكن بيان مصرف لبنان في 27 كانون الأول، الأوّل من نوعه الذي يَطلب فيه من أصحاب الحسابات التوجّه الى المصارف لشراء الدولارات من دون سقف من خلال منصّة “صيرفة” وتراجع الدولار بعدها، كما لم تكن المرة الأولى أيضاً التي يعود فيها ويغيّر رأيه بعد 10 ايّام، ويضع حداً لسقوف الإستفادة من “صيرفة” كما فعل أمس الأوّل حين أعلم المصارف وقف عمليات “صيرفة الشركات” وحصرها بالأفراد تحت سقف 100 مليون ليرة فقط شهرياً، ما شكّل صدمة سلبية أحدثت إرباكاً في سوق الصيرفة وأدّت الى تحقيق مزيد من التهاوي في العملة الوطنية ووصول الدولار نهاراً إلى 46 ألف ليرة قبل ان يقفل مساءً على 45700 ليرة.
وبالتالي إن أصحاب الشركات الذين أودعوا أموالهم في المصارف يوم الخميس ولم يرسلها مصرفهم الى البنك المركزي في اليوم نفسه، لم يحصلوا على دولاراتهم النقدية استناداً الى سعر “صيرفة” البالغ 38 ألف ليرة، بل استعادوها بالليرة اللبنانية. أما الأفراد الذين أودعوا مبالغ تفوق الـ100 مليون ليرة، فأعاد لهم المصرف المبالغ التي تفوق الرقم المذكور. وأدّى هذا الأمر الذي يعود بالفائدة على بعض التجّار والمضاربين الذين استفادوا من “صيرفة” ولم يبيعوا المنتجات المسعّرة بالدولار وفق تسعيرتها، الى الحاق خسارة بهم هذه المرّة اذ اشتروا الدولار وفق سعر 42 ألف ليرة وبلغ أمس 46 ألف ليرة. وهؤلاء هم الذين ساهموا في تحقيق القفزة السريعة التي حقّقها الدولار، اذ أقدموا على شراء العملة الخضراء من السوق السوداء بالمبالغ التي أعيدت إليهم.
ووفق مراقبين لعمليات “صيرفة”، فإن تلك القفزة في سعر صرف الدولار ليست سوى ردّة فعل مباشرة لقرار “المركزي” ولاعادة المبالغ التي أودعت بالليرة اللبنانية وتوجّه التجّار الى محلات الصرافة لشراء الدولار مجدّداً قبل أن يحقّق سعر صرفه إرتفاعات أكثر.
أما عن سبب فتح “المركزي” المجال لشراء الدولار من دون سقف ثمّ التراجع عن ذلك القرار بعد ايام، فيعود حسب المصدر الى “الرغبة في إحداث صدمة إيجابية وخفض الدولار الذي كان متّجهاً صوب الـ50 ألف ليرة”. ومن المفترض علمياً ان يستقرّ الدولار بسبب استمرار عملية ضحّ الدولار للأفراد، علماً ان المصارف تستفيد من العمولة التي تتقاضاها على المعاملة الواحدة. ولكن عملياً يبقى الإتّجاه الطبيعي للدولار تصاعدياً في ظلّ عدم وجود آفاق إصلاحية حتى الساعة وفي ظلّ اتجاه المستوردين وأصحاب الشركات إلى شراء حاجتهم من الدولار من السوق السوداء.
ومعلوم ان أصحاب المحطّات والمستوردين وموزعي المحروقات لا يستفيدون من “المنصّة” كما أوضح ممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا لـ”نداء الوطن”، لذلك فلن يكون لقرار “المركزي” وقف استفادة الشركات من المنصّة أي تأثير عليهم. كما أن مستوردي وتجار الطحين والأدوية لا يستفيدون من “صيرفة” أيضاً.
أما بالنسبة الى سائر المستوردين، فأوضح رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ”نداء الوطن” أن استفادة الشركات كانت محدودة من “صيرفة” خصوصاً وأنّ “إنجاز أي عملية عبر المنصة يستغرق نحو4 أيام”، يوم لإيداع المبلغ في المصرف وآخر لإرساله الى البنك المركزي الذي يرسل بدوره الدولارات الى البنك، على ان يستوفي المودع المبلغ المرصود له، لافتاً الى أن “الإستفادة من “صيرفة” لا تتعدّى نسبتها 5% بالنسبة الى مستوردي المواد الغذائية والشركات”، لأنّ انتظار إتمام المعاملات عبر هذه المنصّة يشكل “خسارة على التاجر”.
أما بالنسبة الى أصحاب السوبرماركات، فهم، كما قال رئيس نقابة اصحاب السوبرماركات لـ”نداء الوطن” يسدّدون للمستورد الفواتير بالليرة اللبنانية ولا يمكنهم الشراء عبر “صيرفة” لتسديد فواتير المحروقات.
يبقى السؤال الأبرز، إلى متى يمكن أن يستمرّ العمل بمنصّة الـ100 مليون ليرة للأفراد، وهل من الممكن أن تلقى مصير “صيرفة الشركات” من خلال تعميم وقف العمل بها بين ليلة وضحاها؟ تؤكد مصادر مطّلعة لـ”نداء الوطن” أنّ صيرفة الـ100 مليون ليرة “ستسمرّ لغاية نهاية الشهر الجاري، مع احتمال تمديد العمل بها، لذلك من غير المتوقّع أن يتّخذ مصرف لبنان قراراً مفاجئاً حالياً بوقف العمل بها”، إلا أنها لم تستبعد في الوقت نفسه أن يبادر بعض البنوك إلى تخفيض سقف تحاويلها للأفراد عبر المنصة إلى ما دون الـ100 مليون شهرياً.