مع جنون الدولار تتزايد الفوارق بين مؤهلات الحكومة الحالية والأوضاع الاقتصادية والأمنية التي بلغت، لا سيما خلال الأيام القليلة الماضية، حدّا من الخطورة لا يمكن لحكومة «اختصاصيين» مواجهته بالعموميات الأكاديمية. فتدهور القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وتأثيره الهائل على ذوي الدخل المحدود، تتعدّى آثاره النقدية الى صميم المشكلة الاقتصادية والاجتماعية. والقول الشهير عن العلاقة بين معدل التضخم ودرجة الأمان والاستقرار في المجتمع هو: If you want to ruin a Country ruin its currency «اذا أردت أن تخرب أي مجتمع خرّب عملته الوطنية»، بدءا من تفتيت النسيج الاجتماعي وبنية الأسرة والعزوف عن الزواج واتساع الفجوة بين الأغنياء وذوي الدخل المحدود وازدياد البطالة والجريمة والعوز والفقر والجوع والرشاوى والكسب غير المشروع وانخفاض مستوى التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية وتآكل الطبقة الوسطى وتراجع الشعور الوطني لحساب الحمايات المناطقية والطائفية والمذهبية وانتشار الجريمة المنظمة والمخدرات، وهيمنة طبقة المضاربين والطفيليين والمتسلقين على ظهر الانهيار النقدي، الى شلل الاستثمارات وضرب السياحة وارتفاع الحواجز العازلة بين البلد والعالم الخارجي، الى مختلف الآثار السياسية والاجتماعية والصحية والنفسية التي لا تستطيع «Super» حكومة مواجهتها حتى ولو كنت موحّدة ومتجانسة، فكيف بحكومة مركبة على صورة الأزمة وليس على صورة الحل، ولدت على أشكال المرتكبين وليس على صورة الضحايا، وهربا من الخلافات والاختلافات الى التسويات والترضيات. وبما يجعل منها أمام الأزمة النقدية الحالية وتفاعلاتها الاقتصادية والاجتماعية، حكومة مستقيلة عن مهمتها عاجزة عن القيام بدورها، حتى ولو لم تستقل أو تعتزل.
فالسقوط الكبير والمروّع ليس في نص كتاب استقالة وإنما في نص بيان وزاري لم يترك وعدا إلا وبذله ولم يترك عهدا إلا وقطعه، ولم يترك جنة إلا وصوّرها، فكانت النتيجة جحيما عجزت عن إطفائه حكومة إنقاذ باتت هي بحاجة الى إنقاذ! وما وعود الإ2صلاح وإعادة الهيكلة والبناء سوى محاولة للتأجيل والتسويف وكسبا للوقت وفي ظروف عزلة عالمية وكارثة وبائية تشهد حوالي ١٥٠ دولة بينها دول أوروبية تدق باب صندوق النقد الدولي طلبا لتسليفات وقروض أين سيكون بينها لبنان؟!