قال المحاضر والكاتب الاميركي فيل ماكجرو عن وقوع الشركات الكبرى في أزمات ان “لا تنتظـر الوقوع في الأزمة حتى تبدأ في إعداد خطـة للأزمة!”، اذا تأملتها من عدة جوانب، وأولها الجانب الخاص بالأعمال، ستجد أن هذه المقولة المنسوبة للإعلامي الأميـركي الشهير دكتور فيل صحيحة تماما. فإذا كانت الأزمة تقع دائما بشكل مفاجئ، فالاستعداد لوقوعها والتعامل معها بمجرّد وقوعها أمر يمكن التدريب عليه بأفضل الطرق الممكنة لتجنب تبعاتها.
في عالم الأعمال، يوجد لدينا العديد من الشركات التي استطاعت التعامل مع الأزمات بأشكال مختلفة، بعضها نجح في تحويل الأزمة إلى فرصة، وبعضها نجح في الصمود أمام هلاك حتمي، والبعض الثالث استطاع الخروج منها بأقل الخسائر، لتتحول هذه التجارب إلى نماذج دراسية (Case Studies) يتم تدريسها كأمثلة لإدارة الأزمـة (Crisis Management”.
جونسون آند جونسون.. الانحنـاء للعاصفـة يساعدك في تجـاوزها:
في عام 1982، استيقظ المسؤولون في شركة الدواء والمنتجات الطبية العمـلاقة جونسـون آند جونسـون (J&J) على وقع خبـر مؤسف بدا مؤشرا على نشوء عاصفة في الأفق. سبعـة أشخاص قُتلوا في شيكـاغو بسبب تعـاطي جرعة كبيـرة من أحد منتجـاتها “كبـسولات التايلينـول إكستـرا سترينث” (Tylenol Extra Strength) التي استخدمها القاتل في تدبير عمليات القتل لضحاياه السبعة، باعتبار أن الكبسولات مندمجة مع مادة البوتاسيوم سيانيد مما جعل تعاطيها بشكل مركّز يحوّلها إلى سم قاتل.
على الرغم من أن الشركة غير مسؤولة بشكل مباشر، فإن ربط منتجهـا بحالات قتل بشعة من هذا النوع كان حتما إشارة إلى قرب اهتزاز سمعتها بشدة في السوق الأميـركي الذي يعتبر أكبر أسواقها على الإطلاق. لذلك، وبسرعة قبل حتى أن تبدأ موجات الهجوم على الشركة إعلاميا، أصدرت الشركة قرارا فوريا بسحب 31 مليون زجاجة من التايلنول بقيمة 100 مليون دولار من كافة الصيدليات، وقامت بوقف إنتـاج المنتج ووقف الحملة الدعائية له.
في الوقت نفسه، وكتحرّك مواز أعلنت الشركة عن تعاونها الكامل مع شرطة شيكـاجو والإف بي آي ومنظمة الدواء العالمية بهدف البحث عن القاتل، كما قامت من طـرفها بالإعلان عن جائزة قدرها 100 ألف دولار مكـافأة لمن يرشد عن القاتل ومن يساعد في الوصول إليه.
النتيجـة أن الصحف والإعلام بدلا من توجيه اللوم للشركة أو الهجوم عليها -كما هو متوقّع دائما في مثل هذه الحالات- أشادت بمجهوداتها بشدة والخطوات التي اتخذتها سواء بسحب منتجهـا أو المشاركة الفعّالة في البحث عن القاتل والتعاون مع الأجهزة الأمنية.
بيبسي.. إياك أن تعتذر عن خطأ لم ترتكبـه
في عام 1993، ظهـرت إشـاعة غامضة من أحد الأشخاص في ولاية واشنطن بأنه وجد “حقنــة” داخل إحدى علب البيبسي دايت التي تنتجها شركة بيبسي العالمية للمشروبات. وعلى الرغم من غرابة هذا الزعم، فإنه بدأ يتحوّل إلى أمر مقلق عندما ظهـر أكثر من 50 تقريرا يحمل شكـاوى غير مؤكدة من كافة المناطق في الولايات المتحدة، يزعم أصحابها جميعا أنهم وجدوا حقنا داخل علب الدايت بيبسي، وهو ما جعل الأمر يتحوّل من حادثة فردية إلى ما يبدو أنه فضيحة جماعية.
كان التصرّف الأول الذي اتخذته “بيبسي” هو التأكد. قامت بالتأكد من صحة هذا الزعم، فاتضح لها أنها بالفعل دعـاوى ملفّقة، خصوصا بعد أن حققت منظمة الغذاء الأميـركية (FDA) في الأمر واتضح أن التقارير كلها مفبـركة تستهدف النيل من سمعة الشركة. لكن هذا الزعم مع انتشـاره، كان من الممكن أن يصيب المستهلك ببعض القلق والشك في منتج “بيبسي” ويؤدي إلى عزوفه عنه.
في هذه الأزمة اتخذت بيبسي منهجا استثنائيا في إدارة الأزمة. خرجت الشركة بكل وضوح قائلة إنها لا تعتذر عن شيء لم يقع أصلا، ودافعت عن نفسها بمنتهى الثبـات في وجه هذه الاتهامات والدعاوى بشكل واضح لا يقبل اللبس أو الجمل والعبارات الملتفّة والمنمّقة. نحن لم نرتكب أي أخطاء ولا يوجد أي دليل على هذه المزاعم. في الوقت نفسه، بدأت الشركة في تدشين حمـلة ذكيـة تعيد ثقة المستهلك بالشركة لتتجـاوز هذه الأزمة المختلفة.
قامت الشركة بإنتـاج أربعة فيديوهـات مميزة عُرضت على كافة القنوات الإعلامية والإذاعية في وقت الأزمة، تشرح للمستهلك كيف تتم عملية تعبئـة علب البيبسي خطوة بخطوة. كما قامت الشركة بالكشف عن شريط مراقبة مثير حصلت عليه يظهـر امرأة في أحد متاجر كولورادو تضع حقنـة داخل إحدى علب البيبسي دون انتبـاه من موظف المتجر، وهو الأمر الذي دلّ بالكامل على براءة الشركة من هذا الزعم، وأن هذه الدعـاوى مفبـركة بالكامل لغرض التشويش على ثقة المستهلك بالشركة.