قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية أمين الناصر إن أسواق النفط العالمية ستتكيّف مع اضطرابات البحر الأحمر على المدى القصير، إلّا أن استمرار هجمات الحوثيين على السفن لمدة أطول سيؤدي إلى نقص عدد الناقلات؛ بسبب طول الرحلات وتأخير الإمدادات.
وقال الناصر لرويترز إنه يتوقع أن تشهد سوق النفط قلة في المعروض بعد أن استنفد المستهلكون المخزونات بمقدار 400 مليون برميل العامين الماضيين، وهو ما جعل الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى أوبك المصدر الرئيس للإمدادات الإضافية لتلبية الطلب المتزايد.
وقد أجبرت هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر العديد من الشركات على تحويل مسار الشحنات حول أفريقيا.
وتواصل السوق مراقبة الوضع في البحر الأحمر بالتزامن مع قلق المستثمرين من خطر اضطراب الإمدادات، حتى مع تحويل ناقلات النفط مسارها بعيداً عن الممر المائي.
وأوقفت بعض سفن الحاويات رحلاتها مؤقتاً، أو حوّلت مسارها بعيداً عن البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس، أسرع طريق شحن بحري من آسيا إلى أوروبا، حيث يمرّ نحو 12% من حركة الشحن العالمية.
وعلّقت شركة النفط البريطانية الكبرى (شل) الشحنات عبر البحر الأحمر بعد بدء الضربات الأميركية والبريطانية، لكن شركة شيفرون الأميركية المنتجة أبقت على مساراتها في البحر الأحمر. ويضيف الطريق البديل حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح 10 إلى 14 يوماً لزمن الرحلة.
طاقة فائضة
وذكر الرئيس التنفيذي لأرامكو أن الشركة يمكنها تجنب مضيق باب المندب القريب من اليمن، عبر خط أنابيب يربط منشآتها النفطية الشرقية بالساحل الغربي، ما يمكّنها من الوصول بسرعة إلى قناة السويس. وقال الناصر إن بعض المنتجات النفطية قد تضطر إلى الإبحار حول أفريقيا، مضيفاً أنه يتوقع ألا يهاجم الحوثيون منشآت أرامكو مجدداً في ظل محادثات السلام بين السعودية واليمن.
الأسعار تتراجع
وفي الأثناء، تراجعت أسواق النفط -أمس الأربعاء- بعد صدور بيانات النمو الاقتصادي في الصين (ثاني أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم) التي جاءت أقل قليلاً من التوقعات، ما أثار مخاوف بشأن زيادات الطلب مستقبلاً، في حين أثّرت قوة الدولار في شهية المستثمرين للمخاطرة.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 2%ٌ إلى 76.72 دولاراً للبرميل بحلول الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش أمس. وتراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 2.4% إلى 70.95 دولاراً للبرميل.
وارتفع خام برنت بشكل طفيف أمس بينما انخفض خام غرب تكساس الوسيط مع ضعف العوامل الأساسية بالولايات المتحدة، لكن الصراع المستمرّ في البحر الأحمر زاد المخاوف من اضطرار الناقلات لتغيير مسارها لتجنّب المنطقة، ما أدى إلى زيادة التكاليف ومقدار الوقت اللازم للتسليم.
قناة السويس
في الموازاة، مضت مصر قدماً في زيادة رسوم العبور عبر قناة السويس هذا الأسبوع، حيث تغلّبت الحاجة إلى العملة الأجنبية على انخفاض حركة الملاحة البحرية بسبب هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر. انخفضت إيرادات الدولة الواقعة في شمال أفريقيا من الممرّ المائي الحيوي– وهو أقصر طريق بين آسيا وأوروبا– حيث تتجنب بعض السفن القناة لحماية نفسها من هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار. لكن بدلاً من تأخير زيادة الرسوم المخطط لها منذ فترة طويلة، تراهن القاهرة على أن الدخل الإضافي من السفن التي لا تزال تعبر القناة سيساعد الاقتصاد الذي يعاني من ضائقة مالية.
تراجع بنسبة 30%
انخفضت أحجام حركة المرور عبر قناة السويس 30% في الفترة ما بين 1 و11 كانون الثاني على أساس سنوي، وفقاً لرئيس هيئة القناة أسامة ربيع، حيث كثّف الحوثيون الذين تدعمهم إيران هجماتهم رداً على الحرب التي تشنّها إسرائيل ضد حماس في غزة، ما يثير المخاوف من نشوب صراع عسكري أوسع نطاقاً.
قال ربيع : «بسبب المخاوف الأمنية، قد تفضّل السفن التجارية طرقاً أطول من دخول منطقة حرب… حتى لو قمت بتخفيض الرسوم الجمركية، فلن يكون لذلك تأثير، كون المخاوف أمنية». عملت مصر، التي زادت الرسوم، أيضاً على توسيع الممرّ المائي لتحقيق مزيد من الإيرادات من أحد أصولها الثمينة.
رفع رسوم عبور القناة
تجري أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن إمكانية مضاعفة حزمة الإنقاذ الحالية البالغة 3 مليارات دولار على الأقل. زادت الهجمات التي يشنّها الحوثيون على السفن التي تمرّ عبر البحر الأحمر الضغوط، حيث تعهّد قادة الجماعة المتمركزة في اليمن تكثيف هجماتهم حتى بعد أن بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها توجيه ضربات جوية لردعهم.
قال الحوثيون إنهم كانوا يستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل فقط رداً على الحرب في غزة، لكنهم يقولون الآن إن السفن الأميركية والبريطانية وغيرها باتت أهدافاً مباحة كذلك».
أصبحت «إيه بي مولر ميرسك» (A.P. Moller – Maersk) و»هاباغ-لويد» (Hapag-Lloyd AG) من بين الشركات التي قامت بتحويل مسار السفن، مع إعادة توجيه مسار بعضها حول أفريقيا- وهي رحلة أطول بكثير وأكثر تكلفة.
رفعت هيئة قناة السويس رسوم العبور نحو 15% على بعض الناقلات، بما في ذلك التي تحمل النفط الخام والمنتجات البترولية، بحسب منشور أصدرته في تشرين الأول 2023. قال ربيع إن المخاوف الأمنية لشركات الشحن لن يتم التغلب عليها بالخصومات أو الحوافز الأخرى التي تقدّمها القناة. وتابع: «تأثير الأزمة على الملاحة العالمية كبير، ما يؤدي إلى تباطؤ سلاسل التوريد… ما يحدث يذكّرنا بكوفيد. فالسفن لا تتحرك، وإذا تحرّكت فإنّها تصل متأخرة».
خطوات مصر لدرء الصراع
أوضح ربيع أن الإيرادات السنوية للقناة بلغت 10.25 مليارات دولار في 2023، وفي حال استمرار الوضع، فإن الإيرادات «ستتأثر بشدة» في العام الحالي. مع ذلك، لا تزال العديد من السفن تمرّ عبر القناة.
أوضحت مصر-التي لم تقم مطلقاً بأي أعمال عسكرية خارج حدودها- أنها تخشى حدوث أي تصعيد إقليمي قد تكون له آثار أكثر خطورة على الاستقرار. هذا يعني أن أقصى ما ستفعله القاهرة على الأرجح هو الاستمرار في الضغط من أجل وقف دائم لإطلاق النار في غزة، مع مقاومة أي جهد يسمح للفلسطينيين بالنزوح الجماعي عبر الحدود المشتركة.
قال ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية» ومقرها بروكسل: «تستطيع مصر التكيّف مع بضعة أسابيع من انخفاض حركة المرور عبر قناة السويس. لكنها لا تستطيع التعايش مع التهجير الدائم للفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء والآثار الاقتصادية المعوقة للحرب في غزة ومخاطر نشوب حرب إقليمية».