إستغلال مالي تحت غطاء الحرب.. اليكم جواب مكاتب تأجير الشقق السكنيّة الجاهزة

في خضم الحرب المستمرة بين حزب الله والعدو الاسرائيلي، ومع تصاعد الأوضاع الأمنية في الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية، يتجلى واقع مأسوي يعيشه النازحون. فليس النزوح القسري إلى مناطق أكثر أمانا في بيروت والمناطق اللبنانية الأخرى هو السبب الوحيد، بل إن استغلال أصحاب الأملاك السكنية للظروف الاقتصادية المتردية، قد أضاف أزمة مالية جديدة على كاهل المواطنين الذين أُجبروا على ترك منازلهم.

وبعد تلقي “الديار” العديد من الاتصالات حول رفض أصحاب العقارات تأجير النازحين، قامت بالاتصال بعدد من مكاتب العقارات للاستفسار عن إمكانية تأجير بيوت. وكان السؤال الموحد الذي طرح في أكثر من 7 مكاتب على النازحين “من أي منطقة أنت واسم العائلة، لمعرفة انتماء المتصل/ة، وبمجرد سماعهم الاسم يعود أصحاب المكاتب للاعتذار، ويقولون انهم لم ينتبهوا، وليس لديهم شقق فارغة حاليا”.

تحت غطاء الأزمة.. استغلال بلا حدود

وبينما كان من المفترض أن تتراجع الأسعار نتيجة للأزمة الاقتصادية في لبنان، وجد النازحون أنفسهم أمام واقع مرير. فالشقق التي كانت تُؤجَّر سابقا بمبالغ تتراوح بين 200 و300 دولار شهريا، تُؤجَّر الآن بأسعار تتراوح بين 700 و1000 دولار. وفي بعض الحالات، يصل الإيجار إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف السعر المعتاد، رغم أن هذه الشقق غالبا ما تكون متواضعة جدا، ومؤلفة فقط من مطبخ صغير وغرفة واحدة وحمام.

أحد النازحين الذين تحدثنا معهم، قال بغضب: “لا يعيرون أي اهتمام لوضعنا الكارثي، فنحن نازحون من الحرب، ونعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ومع ذلك يطلبون مبالغ خيالية”.

تجدر الإشارة إلى أن هذه المشكلة ليست جديدة، فقد أثارت “الديار” في تحقيق سابق قضية استغلال أصحاب العقارات للنازحين، الذين غادروا بيوتهم بعد اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر ،وتصاعد الأعمال القتالية في الجنوب والضاحية الجنوبية. خلال تلك الفترة، ومع بدء النزوح الجماعي للأهالي إلى المناطق الأكثر استقرارا في بيروت، عمد أصحاب العقارات السكنية إلى رفع أسعار الإيجارات بشكل غير مسبوق.

فالشقق التي كانت تُؤجَّر سابقا بمبالغ تتراوح بين 300 و500 دولار، قفزت أسعارها بشكل جنوني لتصل إلى ما بين 2300 و4000 دولار شهريا. استغل أصحاب العقارات حاجة النازحين إلى سكن آمن، دون أي اعتبار للوضع المالي الصعب الذي تعيشه تلك العائلات.

النازحون بين مطرقة الحرب وسندان الاستغلال

لم يتوقف هذا الوضع المأسوي عند حدود تأمين السكن، اذ ان النازحين الذين هربوا من مناطق مثل الضاحية الجنوبية وحارة حريك والليلكي وغيرها من المناطق، فتشوا عن ملاذٍ آمن لعائلاتهم، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام أبواب مغلقة، أو أسعار مبالغ فيها بشكل كبير.

تروي زينب قصتها المؤلمة بعدما حاولت مراراً وتكراراً البحث عن مسكن لعائلتها، التي تقطن في حي ماضي في الضاحية الجنوبية. تقول لـ “الديار”: “اتصلت ببعض الأرقام التي حصلت عليها، وتعود لأصحاب شقق سكنية يعتادون تأجيرها. لكن عندما علموا أنني من الضاحية، رفضوا تأجيري شقة. كان يبدو أن هناك خوفاً من أن نجر الخطر أو الأذى إليهم، خاصة في ظل الظروف الحالية، حيث تحاول “إسرائيل” اغتيال قادة وعناصر حزب الله”.

بدورها، حاولت “الديار” تزويد زينب ببعض الأرقام، وعندما استفسرنا منها إن كانت قد وجدت مسكنا لأهلها، أجابت “بأن جميع الأرقام التي اتصلت بها بهدف إيجاد شقة سكنية لم تتجاوب معها”.

تعبّر زينب عن الإحباط الذي تشعر به، متسائلة: “كيف يمكن لعائلة تبحث عن مأوى أن تواجه هذه الحواجز؟ الواضح أن الهلع من العواقب بات يسيطر على العلاقات الإنسانية بين الناس، مما يزيد من مأساتنا”.

الدولة تحاول… اللهم ثبّت محاولاتها!

لا يمكن إنكار أن حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وفرت بعض مراكز الإيواء، مثل المعاهد والجامعات، بما في ذلك المباني التابعة للجامعة اللبنانية، وعلمت “الديار” ان الحكومة ستفتح أبواب ” Forum De Beirut” والمدينة الرياضية امام النازحين ، بعد ان وصل عددهم إلى حدود المليون. وبالتالي أصبحت الأزمة أكبر، وزادت المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة.

وتؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ “الديار” أن “هذه المراكز تعتبر خطوة إيجابية، لكنها ليست الحل الأمثل، خاصة مع بداية العام الدراسي الجديد. فالمؤسسات التعليمية الرسمية ليست مهيأة في الوقت الراهن لاستقبال الطلاب كمراكز إيواء. لذا، يجب على الدولة اتخاذ خطوات أكثر فعالية، لتعزيز البنية التحتية للمواقع الحالية، وفتح اماكن جديدة مخصصة للاستضافة، وتأمين الخدمات الأساسية للنازحين لضمان استقرارهم وعودة الحياة إلى طبيعتها”.

وتشدد المصادر على “وجوب تحسين التنسيق بين الوزارات المعنية لكفالة تكامل الجهود، وإشراك المجتمع المحلي في عملية الإيواء، لتعزيز التعاون وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي. فمن خلال هذه التدابير، يمكن للدولة تعزيز استجابتها للأزمة الحالية، وتحسين ظروف النازحين بشكل فعال”.

في الخلاصة، يضع هذا الواقع المؤلم النازحين في مواجهة مستمرة مع الاستغلال المالي، في ظل غياب أي تدخل حكومي لحماية حقوق المستأجرين، أو للحد من الارتفاع الجنوني في الإيجارات. ومع اتساع رقعة الحرب، يبدو أن أزمة السكن للنازحين ستتعاظم أكثر ما لم يتم إيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة الإنسانية والاقتصادية. يحاول العديد الانتقال من مراكز الإيواء لكونها غير ملائمة للعائلات ذات الأطفال الرضع، أو للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، أو الذين لديهم احتياجات خاصة. لذا، يجد هؤلاء أنفسهم مضطرين للبحث عن خيارات سكنية تتناسب مع متطلباتهم، مما يزيد من تعقيد وضعهم الاقتصادي والاجتماعي، في ظل تزايد وتيرة الاعمال الحربية في مختلف المناطق اللبنانية التي تتعرض لاعتداءات “إسرائيلية” يومية متكررة.

 

مصدرالديار - ندى عبد الرزاق
المادة السابقةالتحديات التي تواجه القطاع الخاص اللبناني هائلة والخسائر وصلت الى 4 مليارات دولار
المقالة القادمةالبضائع المكدّسة في المرفأ… “الاقتصاد” تلوم “المختبرات” و”الزراعة” مصرّة