خلال الشهر الجاري، اجتاحت موجة باردة معظم أنحاء أوروبا، وتمّ تغيير مسار الناقلات العملاقة التي تحمل الوقود عبر البحر الأحمر لتجنّب الهجمات العنيفة. وكان من المفترض أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الغاز، لكنها استمرّت بالهبوط. قد يكون من المبكر القول إن أوروبا تخلّصت تماماً من أزمة الطاقة، إلا أن ما يجري إشارة قوية على أن الكابوس الأسوأ الذي أدّى إلى ارتفاع فواتير الطاقة ودفع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ عدة سنوات أصبح في الماضي. تستفيد أوروبا من جمعها احتياطيات قياسية من الغاز العام الماضي، إلى جانب المساعدة من مصادر الطاقة المتجدّدة وشتاء معتدل نسبياً، بغض النظر عن بعض موجات البرد. يؤدّي تباطؤ النمو الاقتصادي دوراً أيضاً، ما يحدّ من الطلب على الطاقة في القوى الصناعية الكبرى مثل ألمانيا.
تحدّيات جديدة
كان ذلك كافياً لتعزيز الثقة عبر مكاتب التداول بأن المنطقة في وضع مستقرّ لتجاوز بقية فصل الشتاء بوقود احتياطي. ويتمّ تداول الأسعار الأوروبية القياسية حالياً عند أقل من 30 يورو لكل ميغاواط في الساعة، أي حوالي عُشر مستويات الذروة في عام 2022.
مع ذلك، وبعد أن تمكّنت أوروبا من التغلّب على الأزمة، برز واقع جديد يحمل عدداً من التحديات.
أوروبا تعتمد الآن بشكل أكبر على مصادر الطاقة المتجدّدة، وسيتعيّن عليها التعامل مع التقطع في توليد الطاقة. ومع فقدان الغاز الروسي، الذي كانت تعتمد عليه بشكل مفرط قبل غزو أوكرانيا، كان عليها أيضاً أن تبحث عن مكان آخر لتلبية احتياجاتها من الوقود. وهذا يعني أنها ستتنافس مع البلدان الأخرى على حصّة من شحنات الغاز الطبيعي المسال الأجنبية.
هجمات البحر الأحمر
قال بالينت كونكز، رئيس تداول الغاز في شركة «إم إي تي إنترناشونال» (MET International) في سويسرا: «بمجرّد النظر إلى الأسعار سيبدو أن الأزمة قد انتهت. ومع ذلك، فإننا نعتمد الآن على العوامل العالمية، التي يمكن أن تتغيّر بسرعة».
أضاف: «قد ترتفع الأسعار مرة أخرى، حتى في موسم التدفئة هذا، إذا حدث انقطاع مفاجئ في الإمدادات أو فترة طويلة من الطقس البارد».
أحد المخاطر الرئيسية هو الشرق الأوسط وسط الهجمات على السفن في البحر الأحمر، وهو الطريق الذي تستخدمه قطر لإرسال الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. تتجنّب ناقلات النفط والغاز المنطقة، وتختار بدلاً من ذلك الدوران حول الطرف الجنوبي لأفريقيا. في يوم عادي، ستستخدم سفينتان أو ثلاث سفن محمّلة بالغاز الطبيعي المسال الممرّ، وفقاً لبيانات من شركة «كبلر».
تراجع أسعار الغاز
انخفضت أسعار الغاز بنسبة 60% تقريباً في عام 2023، وانخفضت بنسبة 12% إضافية حتى الآن هذا العام، وهو ما من شأنه أن يساعد في خفض فواتير الطاقة للمستهلكين.
في المملكة المتحدة، سينخفض الحدّ الأقصى للسعر الذي تنظّمه الدولة بنسبة 14% تقريباً بحلول الربيع، وفقاً لتقديرات شركة «كورنوال إنسايت» (Cornwall Insight) في كانون الأول .
قالت كيم فوستير، رئيسة أبحاث النفط والغاز الأوروبية لدى «إتش إس بي سي هولدينغز»: «هذا هو الشتاء الثاني الذي تشهده أوروبا بدون الغاز الروسي. حقيقة أن هناك الآن سابقة، هي شتاء 2022-2023 الذي مرّ دون أي مشاكل، تساعد في تهدئة أعصاب المتداولين».
الطاقة البديلة
تشييد أوروبا مشاريع الطاقة المتجددة يعني تضاؤل حصة الغاز في مزيج الطاقة في القارة. ساعدت الزيادة في توربينات الرياح ومنشآت الطاقة الشمسية في تقليل الحاجة إلى الوقود، إلى جانب انتعاش الإنتاج النووي الفرنسي في العام الماضي.
رغم ذلك، هناك طريق طويل أمامها، مع العديد من المطبّات المحتملة. ينتهي اتفاق عبور خط أنابيب الغاز بين روسيا وأوكرانيا في نهاية هذا العام، ومن غير المرجح أن يتم تجديده، ما يعني أن القارة يمكن أن تحصل على كميات أقل من الغاز من روسيا. في حين أن هناك استثماراً عالمياً ضخماً في الغاز الطبيعي المسال، فإن الكثير من القدرات الجديدة لن تصل إلى السوق حتى عامي 2025 و2026.
أصبحت الظواهر الجوية المتطرّفة أكثر تواتراً، ما يجهد أنظمة الطاقة ويؤدي في بعض الأحيان إلى زيادة الطلب على الغاز.
الطلب في آسيا
في آسيا، تعني المخزونات القوية أن أسعار الغاز هناك تنخفض أيضاً في الوقت الحالي، وهي عند أدنى مستوياتها منذ حزيران. يقوم مشترو الغاز الطبيعي المسال في اليابان، ثاني أكبر مستورد للوقود فائق التبريد في العالم، ببيع الشحنات بنشاط لأن لديهم الكثير منها. ويرجح أن تشق بعض هذه الشحنات طريقها إلى أوروبا. رغم استمرار الطلب على الغاز في بعض المناطق، خاصة في الهند والصين، فإن هذه المشتريات مدفوعة في المقام الأول بالتجار الذين يبحثون عن صفقة جيدة. الوضع يتشابه إلى حدّ كبير مع الولايات المتحدة، حيث انخفضت العقود الآجلة للغاز بنحو 20% الأسبوع الماضي، إذ بقي التخزين أعلى بكثير من متوسط السنوات الخمس. أدى الطقس البارد إلى زيادة الطلب على الطاقة وتجميد بعض آبار الغاز، لكنه لم يفعل الكثير لتعزيز العقود الآجلة.