يصر صناع القرار السياسي في لبنان على أنه لا مفر من أن يتحمل القطاع المصرفي فاتورة الانهيار المالي من أجل المضي قدما في سياسة الإصلاح المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي رغم وجود تيار رافض لهذا التمشي المثير للجدل.
وقال سعادة الشامي نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال الخميس الماضي إن “على البنوك أن تبدأ أولا في تحمل الخسائر الناجمة عن الانهيار المالي للبلاد من خلال رؤوس أموالها”.
ونفى وجود نية للدولة لاعتماد صندوق سيادي أو استخدام احتياطيات الذهب البالغ حجمها 286.8 طنا لتعويض المودعين الذين فقدوا مدخراتهم.
والشامي هو العقل المدبر لخارطة طريق للتعافي الاقتصادي أقرتها الحكومة قبل أن تصبح حكومة تصريف أعمال الشهر الماضي. وتشمل الخطة العديد من الإجراءات المطلوبة للإفراج عن تمويل دعم من صندوق النقد.
وتتضمن مراجعة كاملة للوضع المالي للبنك المركزي من خلال شركة الاستشارات كي.بي.أم.جي في الشهرين المقبلين وشطب لاحق “لجزء كبير” من التزاماته بالعملة الأجنبية تجاه البنوك.
ورفضت جمعيات مصارف لبنان الخطة مرارا وقالت إنها ستجبر المودعين والبنوك على تحمل وطأة خسائر تقدر بنحو 72 مليار دولار.
وتمسك الشامي بموقفه قائلا إن “البنوك يجب أن تبدأ أولا من حيث تحمل خسائر من رؤوس أموالها قبل أن نمس أي مودع”. وأضاف “لن نطبق مبدأ روبن هود بشكل عكسي، ونأخذ من الفقراء لنعطي للأغنياء هذا غير مقبول”، داعيا البنوك إلى “تقديم تضحيات” لحماية المودعين.
وتهدف الحكومة إلى إعادة ما يصل إلى 100 ألف دولار من مدخرات المودعين بمرور الوقت.
وتملك البنوك أصولا بالعملة الأجنبية لتغطيتها من خلال “احتياطيات البنك المركزي والسيولة في النظام المصرفي وودائع البنوك المراسلة والقروض للقطاع الخاص، من بين أمور أخرى”. ولم يستطع الشامي تحديد ما إذا كانت الأصول يمكن أن تسهم في ذلك.
والمسؤولون منفتحون على فكرة إنشاء صندوق ثروة سيادي لإدارة أصول الدولة على نطاق واسع، لكن الشامي يعارض دمج هذه الإيرادات في خطة السداد لأنها لن تكون كافية لسد الفجوة في الخسائر.
وقال “بدلا من ذلك، ستساهم الحكومة بمبلغ 2.5 مليار دولار في صورة سندات طويلة الأجل يمكن إضافتها إلى الميزانية العمومية للبنك المركزي”.
وعارض وزراء متحالفون مع جماعة حزب الله القوية المدعومة من إيران خطة الشامي، وصوتوا ضد خارطة الطريق في مجلس الوزراء الشهر الماضي.
وألمح نائب زعيم حزب الله، نعيم قاسم، في مقابلة مع رويترز الاثنين الماضي إلى أنه سيتعين التفاوض على خطة جديدة نظرا إلى أن الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/ أيار أدت إلى بدء عملية تشكيل حكومة جديدة.
وقال الشامي إن تغيير الخطة “غير منطقي” بالنظر إلى الدعم الذي تلقته بالفعل من صندوق النقد والمجتمع الدولي.
وبدأ التراجع الاقتصادي في لبنان في عام 2019، لكنه تسارع في ربيع عام 2020 عندما تخلف البلد عن سداد سندات خارجية قيمتها 1.2 مليار دولار.
وأنفق المركزي اللبناني منذ ذلك الحين نحو نصف احتياطيات لبنان من النقد الأجنبي لدعم الليرة ودعم السلع، ومنها القمح والأدوية.
واستنادا إلى حجم الاحتياطيات الحالية، والتي تتراوح بين عشرة و11 مليار دولار، وبافتراض متوسط إنفاق يتراوح بين 400 و500 مليون دولار شهريا، فإن الشامي يعتقد أن الاحتياطات قد تنفد خلال بضعة أشهر.
ويبدو السبيل الوحيد للتعافي هو أن يقر البرلمان بسرعة “حزمة قوانين” من بينها ضوابط رأس المال وقانون السرية المصرفية المعدل وخطة إعادة الهيكلة المصرفية التي ستتيح الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي.
وأكد الشامي أنه سيبدأ الاجتماع مع النواب قريبا لحثهم على إقرار القوانين سريعا. وقال إن “التقاعس عن التحرك لم يعد خيارا بالنسبة لنا”.