مؤخراً اعلنت جمعية المصارف الاضراب المفتوح ما لم يصَر الى الاستجابة لمطالبها، وذلك اثر تقرير محكمة التمييز الزام احد المصارف بالتسديد لأحد المودعين بالدولار الفريش ، ولكون القرار اعتبر ان التسديد من قبل المصرف بموجب شيك مصرفي بالـ «لولار» لا يعتبر ايفاءً.
تبريرات مصرفية
وقد برر أحد اصحاب المصارف الموضوع بأن المصارف تسعى لانصافها، فكيف تسدد هي الودائع بالدولار بينما تتقاضى قيمة الديون بالليرة اللبنانية؟!
وتعجب ايضاً من مدى العداء من قبل المواطنين للمصارف وان المسؤولية يجب ان تكون مشتركة مع الدولة اللبنانية! والى حين تحديد المسؤوليات واتخاذ قرارات جريئة من المصارف ستبقي على تصعيدها.
بعض الملاحظات
الأمر الذي يستدعي الملاحظات التالية: ان الحق في الاضراب يكون مشروعاً في ما لو كانت اسبابه مشروعة، والا اعتبر تعدياً على حقوق الآخرين، فحرّية الفرد تتوقف عند حدود حقوق الآخرين. فرض قانون النقد والتسليف على المصارف موجب الالتزام بقواعد تؤمن صيانة حقوق المودعين (م 156 قانون النقد والتسليف) ، ما كان يوجب عليها عدم اقراض الدولة اللبنانية ومعاملتها كأي من زبائنها الذي يطلب قرضاً.
ان عذر المصارف بكون الدولة قد بددت اموال المودعين هو بمثابة هرطقة ، كمن يأخذ المال ويذهب الى الكازينو ويخسر امواله، وعند الاستحقاق يتذرّع بانه لا يستطيع ايفاء دينه قبل تحديد المسؤوليات.
ما هذه البدع؟
يا مصرف لبنان، ما هذه البدع؟ المودع تعاقد معكم ولا شأن له من اقرضتم او كيف استثمرتم، فهو ائتمنكم على امواله ليتقاضاها في الاجل المحدد او لتسيير اعماله. كفاكم دجلاً، كفى. نضيف، ان موضوع ربط اعادة الودائع بكيفية تسديد القروض السكنية هو اكبر هرطقة ممكن ان تتذرع بها المصارف… ان المصرف هو شخص ممتهن، والمقترض هو مستهلك يرعاه قانون حماية المستهلك الذي يجيز له تسديد دينه قبل الاستحقاق وبالليرة اللبنانية ودون فوائد، الامر الذي يفترض بالمصارف معرفته كونه لا يجوز ادعاء جهل القانون. كما ان المصارف راحت تحوّل المبالغ من ليرة لبنانية الى لولار لبعض المحظيين لتمكينهم من تسديد قروضهم على اساس سعر صرف 1500 ل.ل.
ولا يخفى عن الجميع الاستنسابية في التعاطي مع الزبائن الامر الذي يشكل خرقاً للسلوك المهني المفروض من مصرف لبنان ويشكل خرقاً لمبدأ حسن النية في التعاطي المفروض قانوناً. وفوق كل ذلك، لم يصَر الى الاضاءة على موضوع مهم متمثل بتسويق المصارف للقروض بالدولار الاميركي وعرقلة القروض المعروضة بالليرة اللبنانية او حصرها بالمحظيين.
ماذا في القوانين؟
ايضاً و ايضاً: منح القانون 2/67 الصادر في 16/1/1967 لكل دائن حق الطلب من المحكمة المختصة تطبيق احكام هذا القانون في الحالتين المنصوص عليهما في المادة 489 من قانون التجارة، اي الانقطاع عن دفع الديون التجارية او في حالة عدم الثقة المالية به بوسائل يظهر بجلاء انها غير مشروعة. كما نصت المادة 329 من قانون العقوبات على انه: «كل فعل من شأنه ان يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه او واجباته المدنية يعاقب …». يضاف الى كل ذلك، ان محكمة التمييز هي المرجع القضائي الاعلى وقراراتها غير قابلة لاي طريق من طرق المراجعة باستثناء اعادة المحاكمة . كما انه تقضي الاشارة هنا الى احد المبادئ القانونية الكلّية «Nemo Auditur Propriam Turpitudinem Allegans» بما يعني انه لا يصغى الى قول من يستفيد من سوء عمله.
أين هي المشروعية؟
انطلاقاً مما تقدم نتساءل: اين المشروعية في اضراب مصارف ترفض تنفيذ حكم قضائي يقضي بانصاف مودع لجأ الى القضاء تحصيلاً لحقوقه؟ و اين المشروعية في تعطيل مصالح شعب بكامله بهدف الضغط على القضاء في محاولة لتغيير موقفه من المصارف والكف عن اصدار قرارات بحقها؟ واين المشروعية في تصرّف المصارف بمواضيع الـ»CDS» ، تحويل الاموال الى الخارج ، ومواضيع الـ»preferred shares» التي استثمرت في الخارج وتعاد الى اصحابها بالـ»لولار»، ورفض سداد الديون على سعر الصرف الرسمي بالليرة اللبنانية بينما تقوم بتحويل المبالغ لبعض المحظيين وموظفيها من الليرة الى الدولار الاميركي على اساس سعر صرف 1500ل.ل، بيع اليوروبوندز لشركات اجنبية في اوائل الازمة، ورفض اعادة الودائع للمودعين الا بسقوف استنسابية وبغير عملة الحساب وبسعر صرف مجحف وذلك دون وجود قانون كابيتال كونترول، كما وتسديد قيمة الوديعة بما يتخطى الكوتا المسموح سحبها على اساس سعر الصرف الرسمي (1500ل.ل)؟ اين المشروعية في استعمال « Fractional Reserve Banking» في الدولار بينما المصرف المركزي لا يطبع سوى الليرة اللبنانية؟ فضلا عن مشاركة بعض المصارف في عمليات المضاربة في السوق الموازية بهدف سحب العملات الصعبة من السوق، الامر المعروض على القضاء بانتظار نتائجه. فمن اقدم على كل هذه المخالفات والممارسات غير القانونية و غير الاخلاقية لا يمكنه التذرع بأسباب واهية للتنصل من احكام القضاء والقانون وحرمان من لجأ الى القضاء سعياً وراء العدالة من حقوقه.
مدى الوقاحة
يعجز الكلام عن وصف مدى الوقاحة التي وصلت اليها بعض المصارف. فهي تضرب وتقفل ابوابها على اللبنانيين، الا يعتبر ذلك تعدياً على حقوق اللبنانيين وفق مفهوم المادة 329 عقوبات؟ أليس من الاجدى بمصرف لبنان بان يقوم بوضع اليد على بعض المصارف المتخلّفة عن تسديد ودائع زبائنها ، لتكون عبرة للآخرين؟ ألم يحن الوقت لاتخاذ تدابير جوهرية بحق بعض المصارف التي استباحت القوانين ومدخّرات اللبنانيين واعتبرت نفسها فوق كلّ الاعتبارات وفوق القانون.
ماذا نقول؟
ماذا نقول في ظلّ تقاعس مجلس النواب عن اتمام واجباته الوطنية خاصة لناحية انتخاب رئيس للجمهورية، وفي ظلّ تقاعس اجهزة الرقابة عن ممارسة دورها، وفي ظلّ انقسام القضاء، وفي ظلّ الازمة المعيشية الحادة التي تعصف بالبلاد؟ اننا نطلق صرخة لضمائر الحكام اذا وجدت، فاعظم الثورات تاريخياً نتجت عن اهمال الحكام لاوضاع مواطنيهم خاصة لناحية لقمة العيش. فعّلوا الرقابة وعاقبوا من المصارف من اقدم على مخالفة القانون وأخلّ بموجباته الجوهرية ، انصفوا شعوبكم، ان معاقبة الجرائم محللة في الديانات السماوية ،اما السكوت عنها فينزل منزلة الاشتراك الجرمي ….. تذكروا ، ان التاريخ لا يرحم.
لشعب لبنان العظيم
اما لشعب لبنان العظيم فنكتفي بالتذكير ببعض ابيات ابو الطيب المتنبي :
«على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم»
كما وبيت شعره :
«اذا غامرت بشرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير
كطعم الموت في أمر عظيم»