عرضٌ، وتفنيدٌ، فإقتراحات “تفرم” أرقام مالية في مشروع الموازنة التي وصلت من مجلس الوزراء إلى ساحة النجمة. لكنّ المفاجأة هي أنّ نواب ينتمون إلى تكتلات سياسية يقومون بعملية طحن الأفكار التي فرضها وزراء تلك التكتلات أنفسهم في مشروع الموازنة. مما يؤكد على جدّية نيابية في تصويب الأخطاء من جهة، لكنّه يشير إلى عشوائيّة حصلت على طاولة مجلس الوزراء في تعديلات الساعات الأخيرة، كما اظهر مضمون بند الضرائب على رخص السلاح والزجاج الداكن للسيارات، الذي اسقطه نواب لجنة المال والموازنة بعد فرضه سابقاً في مجلس الوزراء.
يهمس نوابٌ على طاولة اللجنة: “إنظروا الى زملائنا في تكتل لبنان القوي يعترضون على بنود كان إقترحها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في ورقته الأخيرة اثناء النقاش في مجلس الوزراء”. يعتبر هؤلاء أنّ الإعتراض هو مشهد نيابي صحّي برهن عن نفسه في إسقاط بنود وإقتراح أخرى”.
لكن إسقاط بند الضرائب على رخص السلاح والزجاج الداكن، يعود إلى سبب ضمني قائم على أساس أن قوى وشخصيات سياسيّة ونيابيّة تعتبر أن تلك الرخص تشكّل عوامل جذب للمؤيدين والناخبين. يروي احدهم حادثة تاريخيّة حول أحد الرؤساء السابقين عندما كان يزور بلدة بقاعية في إطار حملته الإنتخابية منذ اكثر من ٤٥ عاماً، وبعد إلقاء خطاب حماسي جماهيري، طلب من المتواجدين ان يرفعوا إليه طلباتهم، معتقداً انها ستكون مطالب إنمائيّة، لكنه فوجئ بأنّ فعاليات البلدة تطالب برخص سلاح فقط. عمّ الحديث عن الواقعة أرجاء البقاع، وردّد السياسي الخبريّة في مجالسه، ليتبين انّ تلك المطالب لا تزال تشكّل اولوية عند اللبنانيين، خصوصا في المناطق النائية، او الأطراف. ومن هنا ينطلق النواب في مقاربتهم رفض بند الضرائب على تلك الرخص الشعبوية.
ما يُفاجئ ايضاً أن المتخصّصين الإقتصاديين نسفوا افكاراً ماليّة عدّة طرحها وزراء لفرضها على جدول الموازنة، ليظهر مثلاً أن إقتراح وضع ضريبة ٢% على كل البضائع المستوردة يُعتبر ضمنيّاً ضريبة إضافية تتراكم على القيمة المضافة. لذلك سيتقدم وزير الماليّة علي حسن خليل الذي يعارض الطرح، بإقتراح يقضي بزيادة الضريبة على البضائع فقط التي يوجد منها بدائل في لبنان. وبهذه الحال تتم حماية المنتوجات اللبنانيّة، كحال مياه الشرب المعبّأة التي يدفع لبنان سنوياً لإستيرادها اكثر من خمسين مليون دولار، وهي تنافس المياه المُنتجة والمعبأة في لبنان.
امّا الازمة الكبرى فظهرت في تحويل اللبنانيين اموالا باهظة بالدولار، وصلت لحوالي مليار ومئتي مليون دولار سنوياً، فقط الى ثلاثة دول هي: الفيليبين وبنغلادش وسيريلانكا، عدا عن دول أخرى كإثيوبيا وغانا، يستقدم اللبنانيون منها عاملات خادمات او مساعدات في المنازل.
يدلّ ذلك على أنّ لبنان يخسر عملات اجنبيّة تقلّل من وجود الدولار في الأسواق والمصارف اللبنانية، وتُضاف الى عناصر الأزمات التي يعاني منها. لكن فرض ضرائب إضافية على إستقدام العاملات الأجنبيّات يخفّف من “البهوَرة” اللبنانيّة في إستخدام أجانب في المنازل، وعند زيادة الضرائب ترتفع الكلفة، ما يضطر اللبنانيين الى البحث عن وسائل أخرى، تمنع دفع الأموال الباهظة الى خارج البلاد.
كل تلك العناوين يجري تفنيدها على طاولة البحث النيابي، مما يؤكد جدّية النواب في التفتيش عن مخارج غير مؤلمة، وإن كانت أولويّة النوّاب ايضاً الحفاظ على عوامل الشعبويّة، كحال رخص السلاح والزجاج الداكن للسيارات.