كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إفلاس المصارف، خصوصاً بعد كلام السياسيين وأصحاب المصارف عن نية إعلان الإفلاس نتيجة الدعاوى التي يربحها المودعون ضد بعض المصارف بإلزامها دفع الوديعة نقداً.
المشاهد قد يصدّق هذه المسرحية، ولكن في الواقع هناك اختلاف بين المودع الذي يريد أمواله ويريد القضاء أن يأخذ حقّه من المصارف، وبين المصرف الذي لا يريد أن يدفع شيئاً للمودعين بل يريد ما توفّر من الأموال «الفريش» ليقوم بتهريبها الى الخارج لتغطية مصاريف أعضاء مجلس الإدارة الشخصية.
***
هناك نوعان من الإفلاس بحسب القانون اللبناني: تقصيري واحتيالي.
برأيي، إفلاس المصارف في لبنان هو تقصيري واحتيالي في الوقت نفسه، حيث أن أصحاب المصارف كانوا يعلمون بالأزمة منذ 2016 عندما بدأت احتياطيات مصرف لبنان تهدر بشكل كبير على الفساد وتثبيت سعر الصرف. وخاصة عندما قام مصرف لبنان بأكبر عملية «بونزي» لاجتذاب الودائع من الخارج. فأصبحت المصارف تجمع الأموال لإيداعها في مصرف لبنان بفوائد خيالية، فأنتجت أرباحاً وهمية قامت بتوزيعها كأرباح على المساهمين وعلاوات للمدراء التنفيذيين.
اذاً، عملية الإفلاس مبرمجة وقد بدأت في 2016 وهندستها مجموعة من المصرفيين لتستفيد بنفسها.
هؤلاء يجب محاسبتهم احتيالياً. فيما عدد آخر من المصرفيين لم يعلم ماذا يحدث ووقع في فخّ الأرباح السريعة بعد الإغراءات التي قدمها المصرف المركزي، فاعتقد عدد كبير منهم بأنهم يستثمرون الأموال بدون مخاطر كونها مع المصرف المركزي ولم يفهموا «البونزي»، فهؤلاء يمكن اعتبارهم أفلسوا تقصيرياً.
***
اذاً، الإفلاس بدأ في 2016 واستمرّ لغاية 2018 عندما جفّت السيولة وبدأ مسلسل تخفيض تصنيف لبنان الإئتماني في المؤسسات الدولية. فبدأ عندها السياسيون والمصرفيون تهريب ما تبقّى من سيولة الى الخارج، الى أن بلغت أوجها في العام 2019 بعد تحرّك سعر الدولار في السوق وبعد أحداث تشرين 2019، فأقفلت المصارف أسبوعين لتخلق موجة هلع او ما يعرف بـ Bank Run فأفلست معها كلّ المصارف تلقائياً وتوقّفت عن الدفع وحماها مصرف لبنان باصدار التعميم تلو الآخر لدفع الودائع بالليرة.
***
بعد هذه الاحداث جاء إعلان إفلاس الدولة اللبنانية بتخلّفها عن سداد اليوروبوندز. فتعمّقت فجوة الإفلاس وأصبحت أصول المصارف لا تغطي 10%من إلتزاماتها بالدولار. وقد فاقم الإفلاس عدم إقرار قانون كابيتال كونترول وتعدّد أسعار الصرف. وسمح للمديونين بتسديد ديونهم بالدولار بالليرة على السعر الرسمي أو بشراء شيكات من السوق، فهدرت الودائع ليستفيد منها المديونون بأكبر عملية تحويل للثروات في تاريخ لبنان من المودعين الى المديونين.
***
بالنتيجة، إن إفلاس المصارف مبرمج. والمتضررون من هذا الإفلاس هم المودعون الذين يتوهمون بأنّ الودائع ستعود يوماً ما. وكثر الحديث في بداية الازمة عن أنه يجب الانتظار 5 سنوات وستعود الودائع، وها هي اليوم بعد 4 سنوات أصبحت قيمتها توازي 10% نقداً في الاسواق.
الوعد بعودة الودائع كمن ينتظر الكهرباء في لبنان، فالوعود كانت منذ عام 1993 بتأمين الكهرباء 24 ساعة ولم تأت الكهرباء بل أصبحت أسوأ.
وبالتالي لا ودائع ستعود في نظام مافيوقراطي القضاء فيه معطّل.
الحلول معروفة وأصبح الجميع يتداولها ولكنّهم يفضّلون سياسة التأجيل وطمر الرأس في الرمال.