التحقت سلطنة عمان بركب جيرانها الخليجيين في جذب المستثمرين المواهب والكفاءات بمنحهم إقامات طويلة الأمد، في مبادرة تشكل جزءا من خطة التحفيز الاقتصادي، والتي تسعى الحكومة عبرها ترجمة رؤية 2040 وتذكي التنافس الاستثماري في الخليج.
دخلت قوانين إقامة الأجانب في سلطنة عمان مرحلة جديدة باستحداث تأشيرة إقامة ذهبية ستمنح للمستثمرين والكفاءات الاستثنائية، في خطوة ستعطي زخما جديدا لبيئة الاستثمار وبرامج تنويع الاقتصاد وبنائه على أسس مستدامة.
وتم الإعلان عن القرار خلال فعالية “بيئة أعمال مستدامة” نظمتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار الأحد، في صلالة، حيث تم الكشف عن مبادرات أخرى لتحفيز الاستثمار. وأشرف على الفعالية التي احتضنها مجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، وبحضور قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة.
ومن بين البرامج التنموية الأخرى التي تشكل نقلة في المشهد الاستثماري، مبادرة الشركات المجيدة، وخدمة نقل ملكية السجل التجاري عبر التصديق الإلكتروني في منصة “عُمان للأعمال”، فضلًا عن توقيع اتفاقيات تعاون إستراتيجية في قطاع البناء والتشييد.
وكان الأجانب في دول الخليج يتمتعون عادة بتأشيرات قابلة للتجديد وسارية لبضع سنوات فقط ومربوطة بعقد عمل، ما يضع قيودا على إقامتهم.
لكن تأشيرة الإقامة الذهبية التي كانت دولة الإمارات أول بلد في المنطقة يتبناها خلال مايو 2019 ثم السعودية في العام نفسه، وبعدها البحرين في فبراير 2022، تساعد المستثمرين في الدخول والخروج غير المقيد بحدود، بالإضافة إلى حق الإقامة لأفراد الأسر.
ويهدف برنامج الإقامة الذهبية للمستثمرين إلى ترسيخ مكانة السلطنة كوجهة جاذبة للاستثمار طويل الأمد، إذ يمنح إقامة قابلة للتجديد لمدة عشر سنوات، تشمل المستثمر وأفراد عائلته، بما يتيح لهم الاستقرار والنمو في بيئة آمنة ومستقرة.
ويشمل البرنامج عدة مسارات للحصول على الإقامة، من بينها تملك العقارات في المجمعات السياحية المتكاملة، وتأسيس الشركات، وشراء السندات الحكومية أو الأسهم، إلى جانب الإيداعات البنكية.
كما يتضمن تأسيس شركات توفر 50 فرصة عمل للمواطنين، أو الترشيح من قبل الشركات الأجنبية لشركائها وموظفيها الرئيسيين.
وأكدت ابتسام الفروجية وكيلة وزارة التجارة في كلمتها أن إطلاق “مثل هذه البرامج يعكس التوجهات نحو تعزيز بيئة الاستثمار، وتهيئة مقوماتها لتكون أكثر استدامة وتنافسية، بما يُسهم في بناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والابتكار، وفق رؤية عُمان 2040.”
ورغم ما شهده الشرق الأوسط من توسع في الاضطرابات خلال السنوات الأخيرة حافظت دول الخليج، بما فيها عُمان، على جذب تدفقات متزايدة من الاستثمار الأجنبي المباشر، مدفوعة بإستراتيجيات تنويع اقتصادي طموحة، وبيئة تنظيمية مشجعة، وبنية تحتية متطورة.
ويعكس هذا التوجه ثقة المستثمرين العالميين في استقرار هذه الأسواق وقدرتها على النمو، متجاهلين إلى حد كبير التوترات الإقليمية التي لطالما اعتُبرت عائقا.
وتظهر الإحصائيات الرسمية أن نسبة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الناتج المحلي الإجمالي العماني لعام 2023 بلغت 12.1 في المئة، وبمعدل نمو سنوي قدره 10.6 في المئة.
كما ارتفع إجمالي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراكميًا ليصل بنهاية عام 2024 إلى 78 مليار دولار، ما يعكس تحسن البيئة الاستثمارية في البلد الخليجي.
ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى الفروجية قولها إن “منصة ‘استثمر في عُمان’، منذ انطلاقها في فبراير 2023 حتى يونيو 2025، سجلت أداءً متناميًا يعكس فاعلية الجهود الوطنية المبذولة في استقطاب الاستثمارات النوعية.”
78 مليار دولار حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التراكمية، وفق إحصائيات حكومية رسمية
وأوضحت أن المنصة استقبلت 90 طلبًا استثماريًا بإجمالي قيمة بلغت نحو 14 مليار دولار، وتمكنت من توطين 43 مشروعًا بقيمة 5.85 مليار دولار في قطاعات إستراتيجية تشمل الصناعة والصحة والأمن الغذائي والطاقة المتجددة.
وفي جانب تبسيط الإجراءات التجارية والصناعية، أنجزت المنصة العام الماضي أكثر من 800 ألف معاملة، إضافة إلى إدخال 24 خدمة مرقمنة جديدة.
وفي ضوء ذلك ارتفعت نسبة الخدمات الإلكترونية إلى 89 في المئة، وفق المسؤولة، مع تحقيق التكامل مع 17 جهة حكومية في ما يخص إصدار التراخيص، بما يعزز كفاءة بيئة الأعمال ويواكب متطلبات الاستثمار.
وأكدت نسيمة بنت يحيى البلوشية، المديرة العامة لمركز خدمات الاستثمار بالوزارة، أن الإقامة الذهبية تمثل التزامًا حكوميًا بتهيئة بيئة استثمارية متوازنة تجمع بين الفرص النوعية والاستقرار طويل الأمد.
وأشارت إلى أن السلطنة جاءت في المرتبة الرابعة عالميًا في مؤشر جودة الحياة لعام 2024، ما يعزز “جاذبيتها كمقصد استثماري ومعيشي على حد سواء.”
ولكي تزيد من زخم قطاع الاستثمار جاء تدشين الوزارة مبادرة “الشركات المجيدة”، وذلك بالتعاون مع وزارة العمل، وجهاز الضرائب، وشرطة عُمان السلطانية، وغرفة تجارة وصناعة عُمان.
والهدف من هذا التوجه هو دعم الشركات العُمانية ذات الأداء المتميز وتمكينها من النمو والتوسع محليًا وعالميًا عبر حوافز وتسهيلات متنوعة، مع الالتزام بمعايير دقيقة للحوكمة والابتكار والتنافسية.
وأوضح طارق الحراصي مدير مشروع “الشركات المجيدة” أن المبادرة تصنف الشركات ضمن ثلاث فئات وفق معايير الأداء المؤسسي والمالي والإداري.
وشرح أن الشركات المدرجة ستتمتع بحوافز ومزايا تعزز حضورها محليًا ودوليًا، وتسهم في ترسيخ ثقافة الجودة والإبداع في القطاع الخاص.
وفي إطار التحول الرقمي دشنت الوزارة خدمة نقل ملكية السجل التجاري إلكترونيًا عبر منصة “عُمان للأعمال” في مرحلتها الأولى لشركات الشخص الواحد والمؤسسات الفردية، وذلك لتعزيز الشفافية وتسهيل المعاملات التجارية.
وشدد سعيد بن جمعة السلماني، أمين السجل التجاري، على أن الخدمة تمثل نقلة في مسار التحول الرقمي، بما يسهل الإجراءات ويقلل التكاليف ويعزز ثقة المستثمرين.
وعلى صعيد الشراكات الإستراتيجية، وقّعت وزارة التجارة مذكرات تعاون مع الجمعية العُمانية للطاقة (أوبال) بغية تطوير المعايير المهنية في قطاع البناء والتشييد.
وأبرمت شراكة أخرى مع جامعة السلطان قابوس والجامعة الألمانية للتكنولوجيا لدعم البحث العلمي وتبني تقنيات البناء الذكية والمستدامة. وبالإضافة إلى ذلك عقد اتفاق تعاون مع شركة بناء للخدمات المهنية لتبني منصة “إي بناء” الرقمية المتكاملة الخاصة بالمناقصات وتسجيل المقاولين والاستشاريين.
وأكد شهسوار بن جمدوست البلوشي، مستشار وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للتشييد والاستشارات الهندسية، أن هذه الشراكات تمثل خطوة مهمة لتطوير قطاع البناء والتشييد.
وقال إنها “سترفع تنافسية القطاع من خلال إدماج التقنيات الحديثة وتعزيز الحوكمة والشفافية، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بما يتماشى مع أهداف رؤية عُمان 2040.”



