إقتصادات المنطقة والعالم بدأت تتأثّر سلباً بالحرب على غزّة

قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إن الحرب الحالية بين إسرائيل وكتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، «تفطر القلوب»، وتهدّد بإضافة المزيد من القتامة على أفق الاقتصاد العالمي الغائم بالفعل. وأضافت «نراقب عن كثب كيف سيتطوّر الموقف، وكيف يؤثر في الأوضاع خاصة أسواق النفط».

وتابعت – أمام مؤتمر صحافي خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين المنعقدة في مراكش بالمغرب – أن أسعار النفط شهدت تقلّبات، وأن الأسواق تشهد ردود فعل، لكن من السابق لأوانه التنبّؤ بالأثر الاقتصادي الكامل للأمر.

وقالت أيضاً إنه «من الواضح أن تلك غيمة جديدة في أفق ليس هو الأكثر إشراقاً بالمرة للاقتصاد العالمي. غيمة جديدة تزيد قتامة هذا الأفق وبالطبع كنا في غنى عنها». وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إن الوضع في إسرائيل يثير مخاوف إضافية على الاقتصاد الأميركي.

كما قال رئيس البنك الدولي أجاي بانغا إن «الصراع بين إسرائيل وغزة صدمة اقتصادية عالمية لا ضرورة لها، وسيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخّم في اقتصادات عديدة، إذا انتشر» ذلك الصراع.

تراجع النمو

وتوقّع صندوق النقد الدولي وقوع تأثيرات سلبية على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وخارجها، بسبب المعارك. وذكر مدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه غورينشا أن الحرب ستكون مؤثرة في اقتصادات المنطقة وخارجها، بسبب ارتفاع أسعار النفط وغياب الاستقرار السياسي.

وتوقّع تقرير لصندوق النقد الدولي أن يتراجع النمو في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2% خلال عام 2023، مقارنة بـ5.6% العام الماضي، جرّاء عوامل عدة من بينها خفض إنتاج النفط وتشديد السياسات النقدية وصعوبات في دول عدة.

لكنّ التقرير- الذي نشر على هامش الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدوليين في مراكش – توقّع أن تتحسن الأوضاع في المنطقة عام 2024 ليصل النمو إلى 3.4%.

تأثير على إمدادات النفط

في السياق ذاته، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة أن المواجهات منذ السبت في قطاع غزة «لم تكن لها وطأة مباشرة على إمدادات النفط»، مؤكدةً أن احتمال تأثيرها في صادرات النفط يبقى «محدوداً حالياً».

وكتبت الوكالة في تقريرها الشهري عن سوق النفط «إن كان احتمال التأثير في إمدادات النفط يبقى محدوداً حالياً، فإن الضربات حملت على فرض قسط تأمين أعلى للمخاطر الجيوسياسية».

لكنّ الوكالة حذّرت من أنه «فيما لم تسجّل أي وطأة مباشرة على العرض الفعلي (للنفط)، تبقى الأسواق متأهّبة في ظلّ تطوّر الأزمة»، مؤكّدة استعدادها للتصرّف عند الضرورة لضمان إمدادات كافية للأسواق.

وقالت إن «النزاع في الشرق الأوسط مليء بالغموض والأحداث تتطوّر بسرعة»، وأضافت أن «تصعيداً حادّاً في المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط -المنطقة التي تمثل أكثر من ثلث التجارة العالمية للنفط بحراً- يطرح تحدياً كبيراً للأسواق». وتتزايد المخاوف من تصاعد الصراع بين إسرائيل وحماس على نطاق أوسع بحيث يطول دولاً أخرى، ما يهدّد بدوره تدفّقات النفط الخام. وصعدت أسعار النفط أمس الخميس بعدما أكّدت السعودية وروسيا (قائدتا تحالف أوبك+) تعاونهما الوثيق في السوق.

أسواق المال

وتأثرت الأسواق المالية الإقليمية بالأحداث، إذ خسر مؤشر «تداول» لجميع الأسهم في السعودية 1% أمس، كما أدّى انخفاض مؤشر «إم إس سي آي» المجمع لدول مجلس التعاون الخليجي خلال الأسبوع الجاري إلى تمديد سلسلة الخسائر التي ينزفها منذ بداية هذا العام، وتجاوزها أكثر من 6%، وسط حالة عدم اليقين التي تحيط بتوقّعات السياسة النقدية والتطوّرات الجيوسياسية.

يقدّر جنيد أنصاري، مدير استراتيجية الاستثمار والأبحاث في شركة «كامكو إنفستمنت» (Kamco Investment): «بقاء المستثمرين في حالة ترقّب، لأن انخفاض الأسواق هذا الأسبوع مجرّد امتداد للانخفاض المستمرّ الذي شهدناه مؤخراً».

واختتم: «نفضّل الانتظار حتى يظهر أي محفّز إيجابي للأسهم في الأسواق الإقليمية، خاصة في ظل الشكوك المتعلقة بارتفاع أسعار الفائدة، والتباطؤ الاقتصادي المتوقّع ظهوره خلال العام المقبل».

توقّف التجارة بين إسرائيل ومصر

وتوقّفت حركة تجارة السلع بين مصر وإسرائيل «مؤقتاً» بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، بحسب 4 مصادر، أحدهم مسؤول حكومي، تحّدثوا مع «الشرق». يأتي ذلك عقب وقف شركتَي الطيران المصريتين «إير كايرو» و»مصر للطيران» رحلاتهما إلى إسرائيل التي أعلنت حالة الحرب في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنّته «حركة حماس» مطلع الأسبوع الجاري على بعض مدنها.

وتراجعت قيمة الصادرات المصرية (السلعية والبترولية) إلى إسرائيل بنسبة 30% خلال أول 7 أشهر من العام الجاري لتصل إلى 84.18 مليون دولار، مقابل نحو 120 مليون دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضي، بحسب بيانات حكومية اطَّلعت عليها «الشرق». في المقابل، قفزت الواردات المصرية من إسرائيل (بما يشمل واردات الغاز) بنحو 300% خلال الفترة ذاتها لتسجل 1.31 مليار دولار، ارتفاعاً من 329.52 مليون دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022.

كان مسؤول حكومي مصري قد أبلغ «الشرق» في وقت سابق من الأسبوع الجاري بأن واردات مصر من الغاز الطبيعي الإسرائيلي تراجعت بنحو 19% إلى حوالي 650 مليون قدم مكعب يومياً بداية من يوم الإثنين الماضي، نتيجة إيقاف إنتاج الغاز الطبيعي في منصة «تمار» في إسرائيل. لكن شركة «شيفرون التي تعمل في الحقل الواقع في البحر المتوسط، عادت ووجّهت شحنات الغاز الطبيعي الإسرائيلية البحرية إلى مصر عبر خط أنابيب في الأردن، وفق ما نقلت «بلومبرغ» عن الشركة الأميركية.

وتستورد إسرائيل من مصر المواد الغذائية ومواد البناء والمنتجات الزراعية والكيماويات والآلات والمطاط والبلاستيك والأجهزة الكهربائية والمنزلية، بينما تستورد مصر منها الغاز والتكنولوجيا والإمدادات الزراعية.

أحد الأشخاص الذين تحدثوا مع «الشرق» قال إن «الموانئ توقفت عن نقل البضائع من وإلى إسرائيل إلى حين استقرار الأوضاع.

كانت مصر وقعت اتفاقية «الكويز» (QIZ) في عام 2004 مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تسمح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأميركية دون جمارك أو حصص محددة، شريطة أن يشارك المكوّن الإسرائيلي في هذه المنتجات، وفقاً للنسب والمدخلات المتفق عليها والتي تصل 10.5%.

في إسرائيل تباطؤ وركود

ونقلت وكالة رويترز عن شركة الشحن الإسرائيلية (زيم) تصريحات تؤكد أن العمليات والخدمات للموانئ الإسرائيلية مستمرّة دون انقطاع، رغم أن احتمال انقطاع الخدمة قد يحدث بعد إخطار قصير المدة. وقالت الشركة – التي تنفّذ نحو 90% من عملياتها خارج إسرائيل – هذا الأسبوع، إنها عرضت ناقلاتها لتلبية الاحتياجات الوطنية للبلاد. وأضافت شركة الشحن «قد يحدث انقطاع في الخدمة، بعد إخطار قصير المدة، نتيجة لقواعد السلامة التي تمليها السلطات الإسرائيلية».

وكبّدت عملية «طوفان الأقصى» الاقتصاد الإسرائيلي خسائر شملت أسواق المال وقطاع الطاقة وتجارة التجزئة، بالإضافة إلى تأثيرات أخرى على الملاحتين الجوية والبحرية، في وقت يتوقّع محللون تأثيرات أخرى مع توسّع العمليات.

والاثنين الماضي، أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية تعليق الإنتاج مؤقتاً من حقل غاز «تمار»، كما قالت مصادر ملاحية وتجارية إن ميناء عسقلان ومنشأة النفط التابعة له في إسرائيل أُغلقا. وأغلقت مجموعة شركات «إنديتكس» الإسبانية العالمية مؤقتاً 84 متجراً تابعة لها في إسرائيل.

ومنذ السبت الماضي، توالى إعلان شركات الطيران من أستراليا وحتى الولايات المتحدة، تعليق رحلاتها حفاظاً على سلامة الركاب، وإلى حين عودة الاستقرار للأجواء. وتشهد حركة السفر في مطار «بن غوريون» الدولي بمدينة تل أبيب حالة فوضى، بعد إلغاء رحلات وتأجيل أخرى سواء القادمة أم المغادرة.

قال تقرير لموقع «غلوبس» المختص بالاقتصاد الإسرائيلي، أمس الخميس، إن الحرب القائمة في قطاع غزة حالياً تقرّب إسرائيل من تباطؤ اقتصادي حادّ. وبحسب الموقع، فإن الحرب الحالية دفعت إلى إغلاق قطاعات رئيسية في الاقتصاد، وسحبت قوى عاملة في السوق إلى الجيش، علاوة على غلق المدارس والمؤسسات التعليمية، وتعليق صناعة الضيافة.

وتوقّع التقرير أن تشهد إسرائيل انخفاضاً في النمو، حيث «سيضعف النشاط الاستهلاكي الخاص مع استمرار الحرب، كما سيتّسع العجز الحكومي بسبب ارتفاع الإنفاق وانخفاض الدخل».

وفي 2022، نما الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بنسبة 6.5%، صعوداً من توقّعات بنك إسرائيل ووزارة المالية البالغة 6.3%.

وتطرّق «غلوبس» إلى التضخّم في السوق المحلية، وتحدّث عن تأثيرات سلبية محتملة تؤدي إلى عودة ارتفاع التضخم من جديد.

ونقل الموقع عن لونين مناحيم كبير الاقتصاديين في بنك مزراحي طفحوت، قوله: «التأثير الأوّلي هو زيادة الطلب على الاحتياجات العامة، وخاصة السلع الاستهلاكية الأساسية».

وأضاف: «سيتأثر النشاط الاقتصادي سلباً ما يؤدي إلى انخفاض العرض… هذه المجموعة من التأثيرات ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المدى القصير». وتابع أن «هناك عاملاً آخر يمكن أن يغذّي التضخّم وهو أسعار النفط، فارتفاعها بالنسبة لإسرائيل يعني ارتفاعاً في أسعار الوقود بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر زيادة في أسعار السلع المستوردة».

ووفق تقرير «غلوبس» لن يتوقف تأثير ارتفاع أسعار النفط على زيادة تكلفة السلع، بل سيقود إلى زيادة تكاليف الحرب.

مخاطر متعدّدة

وكان مقال للمحلل الاقتصادي في صحيفة «كلكليست» أدريان بيلوط استعرض المخاطر التي تواجه الاقتصاد الإسرائيلي في الوقت الحالي. وقال إن جميع الأطراف من الاقتصاديين وشركات التصنيف والمنظمات الدولية والصحافة أكدت أن المخاطر التي تواجه اقتصاد إسرائيل في ارتفاع. وأضاف أن التحدي في المعارك الدائرة في هذه الأيام مضاعف، مؤكداً أن عملية «طوفان الأقصى» مختلفة عن سابقاتها من العمليات، حيث ستكون الأضرار المترتبة عليها واضحة.

وأشار الكاتب إلى أن جميع الدراسات والاختبارات التي أجرتها الهيئات الاقتصادية أظهرت أنه في ظلّ الأحداث والعمليات العسكرية السابقة، تمكن الاقتصاد من التعافي بسرعة، أما الآن فالوضع مختلف تماماً. وقال بيلوط إن الجولة الحالية من الصراع تأخذ الاقتصاد الإسرائيلي إلى محطة مفصلية، وإن دورة الاقتصاد ستتحوّل من النمو إلى التباطؤ والركود.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةصندوق النقد الدولي يخفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2024 إلى نحو 3%
المقالة القادمةتلزيم مطاعم المطار بين “حوتيْن”… وتحت المجهر الرقابيّ