«البراعة» في النصوص والنوايا في النفوس في جلسة مجلس النواب حول التدقيق الجنائي. ففي عبارة تنص على «إخضاع مصرف لبنان للتدقيق الجنائي مع كل مرافق الدولة» وبمعنى مزدوج قد يقصد به التدقيق مع كل مرافق الدولة فيما يتعلق بمصرف لبنان وعلى طريقة قرار الأمم المتحدة ٢٤٢ الذي يتضمن الانسحاب Occupied Territories والتي في الانكليزية تتضمن المعنيين: «أراض» أو «كل الأراضي» كما كان المقصود منها في الأساس. فيما اللغة العربية ليست عاجزة عن الوضوح الكامل والمباشر في قرار من مجلس النواب ينص على «إخضاع مصرف لبنان وكل وزارات ومجالس وهيئات ومختلف مرافق الدولة للتحقيق الجنائي» بدلا من «مع» كل مرافق الدولة» أي بـ «واو» الجمع أو بفاصلة تعطي لكل تدقيق حقه وأهميته وبشكل مستقل! فهل كل هذا اللعب بالكلمات مجرد تقصير عابر غير مقصود أم هدف مرصود في موضوع لم يكن حتى الآن أكثر من «دفعة على الحساب» لمؤتمر دول مساعدة لبنان المرتقب. ومعها «دفعة ثانية على الحساب» هي مباشرة وزارة المال دراسة طرق ومجالات خفض الانفاق العام. وكلاهما مع اجراءات أخرى من الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي لأي موافقة على قروض يسعى إليها لبنان من غير المعروف حتى الآن كم سيحصل منها وسط شدائد مالية استثنائية تمرُّ بها أكثر من ١٠٠ دولة في العالم تدق باب الصندوق للحصول على قروض تواجه بها انخفاض معدلات النمو خلال فترة ركود وكساد عالمية وتداعيات جائحة كورونا الوبائية.
علما ان قرار مجلس النواب إجراء التدقيقات الجنائية حتى الآن هو عنوان عريض أو كما يقال في علوم الإعلام «مانشيت» دون خبر. وأما الخبر فهو «مفقود مفقود» كما في شعر نزار وغناء العندليب الأسمر، حيث لا قيمة عملية لهذا القرار دون قوانين ومراسيم تطبيقية تحتاج إلى وقت طويل وإلا تبقى كما عشرات القرارات وحتى القوانين المجمد تنفيذها وبعضها منذ عشرات السنين. مع أن الكثير من هذه القوانين أضرارها على أهل النظام محدودة، فكيف بتدقيقات «ثورية» في تحقيقات جنائية في ممارسات مالية وإدارية ومسلكية للطبقة الحاكمة وحاشياتها وحواشيها، من شأن نتائجها وتداعياتها أن «تخلع» تركيبة النظام و«تنخع» بنيانه من الأساس وتفتح الباب الذي يعرف عنه أهل النظام المثل الصريح بأن ما يأتي منه الريح «سدّوا واستريح»!
فهل يدقق الجاني في الجناية وهل يقبل النتيجة؟ أم أن إقرار مبدأ التدقيق والتحقيق دون القوانين التفصيلية والمراسيم التطبيقية الاجرائية لن يكون على عجلة من أمره للانتقال الى مرحلة التنفيذ. والمثل الصارخ والفاضح التحقيقات الجنائية في أسباب ومسببي انفجار مرفأ بيروت وسواها من التحقيقات التي بعضها ينتهي حتى قبل أن يبدأ! وإذا حصل وبدأ يعرف الله العلي وحده يعرف كيف ومتى ينتهي!