لا شك أن الاوضاع الراهنة فرضت نفسها على موظفي القطاع العام تحديداً، فمعاشاتهم ظلت على سعر دولار 1500 ليرة فيما يشترون كل حاجياتهم وفق سعر الصرف الموازية وهذا بحد ذاته يشرّع الرشوة، اذ بات انجاز اي معاملة يحتاج الى تنكة بنزين أو تنكة مازوت أو زيت إن لم تدخل عليها قارورة الغاز وباقي السلع الأخرى. فمعاش الموظف هذه الايام لا يساوي سوى تنكة بنزين وجرّة غاز وتنكة مازوت، وماذا عن باقي الأساسيات من أكل وشرب وطبابة وتعليم؟ كل ذلك يدفع بالموظف ليتقاضى ثمن أي معاملة سينفّذها ولو كانت خارج قناعته.
وفق احد الموظفين “بدنا نعيش وبالشكل الحالي مستحيل، فالدولة تغض الطرف عن أحوالنا السيئة، وإذ اردنا الوصول يومياً للعمل نحتاج ميزانية معاشنا بنزين، ما يعني أن المعاش يساوي بنزيناً فقط، وماذا عن باقي الامور”؟ هذا ما يدفع بكثر ـ على حد قول الموظف ـ لتقاضي رشاوى مشروعة، لكي نستمر على قيد الحياة.
بلغت الرشاوى ذروتها، أحد لا يعترض او ينبس ببنت شفة، وفق احد موظفي البلديات فإنه يشترط تنكة بنزين على كل معاملة والا لن تنجز، ولا مجال أمام المواطن للاعتراض. على حد وصفه “الظروف فرضت نفسها، وتصحيح الاجور يبدو انه لا يعنّ على بال الحكومة المنشغلة في امور اخرى، وتركت القطاع العام يتخبط بأزماته، حتى ان الاضراب الذي يلفه منذ عدة شهور لم يحرّك لها جفن، بل تستمر وكأنها تريد انهيار القطاع العام وترحيل الموظفين لتخفيف العبء عن كاهلها. ”
بات يصعب على اي موظف تناول منقوشة زعتر التي تجاوز سعرها في بعض الاماكن الـ12 الف ليرة، أي ما يعادل نصف يومية اي عامل صغير، فكيف سيصمد؟ وفق مصادر معنية، فإن سوسة الرشوة نخرت كل الدوائر، بل يجري تقاضي ثمن طابع الألف في احدى المحاكم في قضاء صور 4 آلاف ليرة والمغلف 20 الف ليرة، هذا ناهيك عن رشاوى المال لقاء كل معاملة وورقة و”تمريقة” من هنا وهناك”، ولا يخفي المصدر “ان هذا الواقع الهش فرضته سلطة جائرة تريد الاطاحة بما تبقى من قطاع عام لتحريره ودفع الموظف للاستقالة وترك وظيفته بحثاً عن اخرى بالدولار، اذ شهدت العديد من الدوائر هجرة جماعية اما للخارج او للعمل في جمعيات أجنبية، وهذا يؤثر حتماً على هيكلية الوظيفية واداء الخدمة العامة”.