وبقدر البهجة التي صاحبت إعلان وزير الشؤون الإجتماعية رمزي مشرفية في أيلول الماضي عن “إنجازات” وزارته خلال أشهر حكمه الستّة، والتي تضمّنت في طياتها 320 مشروعاً إصلاحياً أُنجز منها 90 بحسبه، وكان أهمّها “توفير 4 مليارات سنوياً في عملية دمج المشاريع المنبثقة”… ثمّة أسف، وخيبة أمل وخوف بين الموظّفين بسبب عدم تنفيذ المدير العام للوزارة القاضي عبد الله أحمد قرار دمج المشاريع، وبالتالي تعريض هؤلاء المستخدمين، الذين يبلغ عددهم نحو 500 موظّف، لخطر الصرف من العمل.
أهال مدير عام وزارة الشؤون الإجتماعية التراب على ذلك الإنجاز ودفنه، وحتى السّاعة، لم يسجّل قرار الوزير في الديوان ليصبح نافذاً. وفي المحصلة، قطع الأرزاق “على الجرّار”، وخمسمئة عائلة تقبع تحت رحمة “المراوغة السياسية” وعدم إنجاز الدمج، حيث لا يبدو أنّه ستتّخذ خطوات عملية داخل الوزارة، وهناك مخاوف من أجندة “إسقاط الدمج” إلى ما بعد المهلة النهائية المعطاة من ديوان المحاسبة مع صدور موازنة العام 2021، وإحالة المشاريع الـ22 المهمّة إلى التصفية. والسؤال الأهمّ اليوم، هل إنّ التماهي مع كلّ ما هو “تنفيعي” شرط استباقي للتوقيع؟
عندما باشر الوزير السابق للشؤون ريشار قيومجيان العمل على ملفّ “إعادة النظر بالمشاريع المنبثقة” بالتنسيق مع ديوان المحاسبة، كان هناك تصور أنّه ستتمّ دراسة المشاريع، كلّ منها على حدة، فيُدمج ما يمكن من المشاريع، ويُحال إلى التصفية ما يجدر الغاؤه، ويترك مستقلّاً ما عليه أن يكون متفرّداً بلجانه، كمشروع “دعم الأسر الأكثر فقراً” في ظلّ ارتفاع معدّلات الفقر وتدهور الأحوال الإقتصادية في البلاد. إلا أنّه، وبحسب أحد الموظفين، مع استلام الوزير زمام الأمور “اختلط الحابل بالنابل”، وانصهر هدف التوفير بالسرّية وعدم اعتماد المنطق التصحيحي”. وتساءل هذا الموظّف أيضاً: “كيف لنا أن نعلم آليات الدمج ما لم يخبرونا على أي أسس كان التخطيط؟ وكيف للوزير أن يُصدر قراراً ولا يُنفّذ ويمرّ الموضوع مرور “التطنيش” ما لم يكن هذا الأمر مُخطّطاً له بين الفريقين؟ وما هي تفاصيل الدمج؟ ألا يحقّ لغالبيتنا من المستخدمين الموظّفين في الوزارة منذ أكثر من 10 سنوات أن نعلم تفاصيل الدمج؟ فالطبيعي أن نسأل: كيف يمكن لكل البرامج أن تندرج تحت بعضها البعض؟ وهل أنّ تطبيقها ممكن؟ وكيف لبرنامج دعم الأسر الأكثر فقراً أن يدمج مثلاً مع أي برنامج آخر؟ أو، كيف لبرنامج التغذية للمطاعم المدرسية المجّانية أو التطوع أن يُدمج؟ وأليس لدينا الحقّ الشرعي في معرفة مصيرنا؟ وألن تُعتبر تصفيتنا على هذا النحو صرفاً تعسفياً إن تمّت”؟
لا يجد المتابع الموضوعي الحصيف أي مبرّر طبيعي لهذا التعتيم على موضوع الدمج، وموظّفة أخرى قالت لـ”نداء الوطن” إنّها تنتظر مع آخرين قرار تثبيتها منذ سنوات من دون جدوى، وتتخوف اليوم من الصرف التعسّفي الذي يمكن أن يطالها في حال تمّت تصفية المشاريع. وتابعت: “إستمراريتنا مهدّدة يومياً، وهناك كباش يدور، وننتظر على حافة الجبل، إما سنُرمى إلى الوادي، أو سنكمل في العمل في ظروف مادية سيّئة، فراتب المتعاقد منّا لا يتخطّى الـ900 ألف ليرة لبنانية، أي حوالى الـ100 دولار ومن دون ضمان، وأغلبنا من حملة الشهادات العليا، ولم نحصل على مستحقّاتنا المالية منذ 18 شهراً، ومنّا من يذهب إلى عمله الإحصائي بسيارته الخاصة وعلى نفقة رمزية من الوزارة لملء استمارات، وهنا يقول البعض إنّه تمّ تعيين غالبيتنا سياسياً أو أنّ هناك بطالة مقنّعة، وأنا لا أتكلم هنا بمعرض النفي ولكن من لا جدوى من عمله فلتُوجّه له إنذارات وليصرف، ومن يعمل منّا بهذا الأجر الزهيد فهو كنز حالياً، عليهم التفكير جيداً قبل الإستغناء عنه، ليس بسبب المحسوبيات، بل بسبب الخبرة العالية مقابل الأجر الرمزي!”. وبحسب مصدر مطّلع في الوزارة، يبدو أنّ خطة الوزير مشرفية “كانت مبنية على دراسة وفر بأكثر من 4 مليارات ليرة تتلخّص مفاعيلها بدمج المشاريع المنبثقة المتشابهة في التوجّه وتقليص الصرف، عبر حصر المجهود في خانات محدّدة، تشرف عليها لجان إدارية ست (بدل 22) مؤلّفة من موظفين يجري توزيعهم كلّ بحسب الخبرة والأقدمية والكفاءة، على أن يتم الحفاظ على الحقوق المكتسبة في الأجر”. لكن المستغرب هو أنّه لم يتمّ العمل على إلغاء أي مشروع “غير ضروري”، كذلك لم يتم العمل على “ترشيد” الصرف بل “تهذيب الصورة” فقط! بلاغة “المناورة” هذه، بين الوزير والمدير العام، تُدرّس في فنّ “الإصلاح الصوري”. إصلاح “مُلبنن” على طريقة قضم حقوق الموظّفين في معرفة مصيرهم في اعتبارهم “كبش محرقة”. وليس في الأمر اي جديد، تهليل بإنجاز ثم تعطيل بمعروف.